أثر توظيف الفراغ المفتوح ومفردات التراث الشعبي على الصورة المرئية للعرض المسرحي دم السواقي

Document Type : Original papers

Author

theatre department, faculty of arts. Helwan university, Cairo,egypt

10.21608/tjhss.2025.397170.1331

Abstract

Folk theater is one of the most prominent arts that reflect cultural and social identity, drawing its aesthetic elements from the local environment. This makes it a means of preserving heritage and sparking dialogue on contemporary issues. Its performances vary between indoor and outdoor theaters, with the latter distinguished by its ability to enhance audience interaction, particularly in heritage-themed performances. The use of open space in theater serves as a creative tool that enhances interaction and the visual imagery of the performance, as seen in the Cultural Garden Theater for Children in Sayeda Zeinab. The research focuses on studying the impact of open space and elements of folk heritage in shaping the visual imagery of the performance "Dam El Sawaki" (2022), written by Bakri Abdel Hamid, designed by the researcher, and directed by Nihal Ahmed. Additionally, the research analyzes their role in enhancing the theatrical experience, while reviewing the challenges and strategies employed to achieve a comprehensive artistic vision.

Keywords

Main Subjects


مقدمة البحث:-

يعد المسرح الشعبي(*) أحد أبرز الأشكال الفنية التي تعكس الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمعات، حيث يستمد عناصره الجمالية والتراثية من البيئة المحلية، ما يجعله وسيلة تعبيرية تعكس تقاليد المجتمع وقيمه وتاريخه. ومن خلال توظيف هذه العناصر، يساهم المسرح في حفظ التراث الثقافي ونقله عبر الأجيال، فضلًا عن كونه منصة للحوار حول القضايا الاجتماعية والثقافية المعاصرة. قدم المسرح الشعبي عروضه في أشكال مسرحية متنوعة، شملت المسارح المغلقة (البروسينيوم)، والمسارح المفتوحة في الهواء الطلق، إلى جانب الفراغات غير التقليدية. وقد تميز كل نوع بخصائص فريدة عززت قرب العروض من الجمهور، لا سيّما عند تناولها موضوعات مستوحاة من السير الشعبية أو التراث. وكان للمسارح المفتوحة دور بارز في تقديم هذه العروض، نظرًا لملاءمتها البيئية التي تعزز التفاعل المباشر بين العرض والجمهور، مما يضفي على التجربة المسرحية مزيدًا من الواقعية والتأثير.

 

في هذا السياق، يُعدّ توظيف الفراغ المفتوح في المسرح أداة إبداعية تضفي على العرض المسرحي أبعادًا جمالية وتفاعلية جديدة، حيث يُتيح هذا النمط تفاعلًا مباشرًا بين الجمهور والممثلين، ويوفر إمكانات أوسع لاستثمار الفضاء المسرحي بما يعزز الصورة البصرية للعرض. على سبيل المثال، يُشكل مسرح الحديقة الثقافية للأطفال في منطقة السيدة زينب بالقاهرة نموذجًا لاستكشاف الإمكانات البصرية والإخراجية غير التقليدية، مما يضفي على العرض طابعًا فريدًا يتكامل مع البيئة المحيطة، ويخلق تجربة مسرحية غنية ومؤثرة.

 

يركز هذا البحث على دراسة تأثير استخدام الفراغ المفتوح وتوظيف عناصر التراث الشعبي في تشكيل الصورة البصرية للعرض المسرحي دم السواقي، تأليف بكري عبد الحميد، وتصميم الديكور والأزياء للباحث، وإخراج نهال أحمد، والذي قُدِّم في فراغ مفتوح داخل الحديقة عام 2022. كما يسعى البحث إلى تحليل كيفية إسهام هذين العنصرين في تعزيز التجربة المسرحية والجمالية، وتفاعلهما لإنتاج عرض يعكس الهوية الثقافية ويجذب الجمهور عبر الصورة البصرية المميزة. بالإضافة إلى ذلك، يتناول البحث التحديات التي تواجه المصممين في توظيف الفراغ المفتوح والتراث الشعبي، ويستعرض الاستراتيجيات المتبعة للتغلب على هذه التحديات، وصولًا إلى تحقيق رؤية فنية متكاملة.

 

  • مبررات أجراء البحث:-
  • ‌أ- أهمية توثيق دور التراث الشعبي في المسرح المعاصر.
  • ‌ب- ندرة الدراسات التي تربط بين الفراغ المفتوح والتراث الشعبي في تشكيل الصورة المرئية.

 

  • مشكلة البحث :-
  • ‌أ- ما هو أثر توظيف الفراغ المفتوح على الصورة المرئية لمسرحية "دم السواقي"؟
  • ‌ب- كيف ساهمت مفردات التراث الشعبي في تشكيل الهوية البصرية للعرض المسرحي؟
  • ‌ج- ما هي التحديات التي يواجهها المصممون عند توظيف الفراغ المفتوح في العروض المسرحية؟

 

 

  • فرضية البحث:-
  • ‌أ- يؤدي توظيف الفراغ المفتوح إلى زيادة التفاعل بين العرض المسرحي والجمهور.
  • تساهم مفردات التراث الشعبي في إثراء الصورة المرئية للعرض المسرحي.
  • ‌ج- هناك علاقة وثيقة بين الفراغ المفتوح والتراث الشعبي في تشكيل الهوية البصرية لمسرحية (دم السواقي). محور البحث.

 

  • منهج البحث:-
  • ‌أ- المنهج الوصفي التحليلي لتحليل الصورة المرئية للعرض المسرحي.
  • ‌ب- المنهج التطبيقي (*)لدراسة تأثير الفراغ المفتوح والتراث الشعبي على تصميم الديكور والأزياء.

 

  • أهمية البحث:-
  • ‌أ- يسهم البحث في دراسة تأثير الفراغ المفتوح على تصميم الديكور والأزياء في المسرح.
  • يسلط الضوء على دور التراث الشعبي في تعزيز الهوية البصرية للعروض المسرحية.
  • ‌ج- تقديم نموذجً تطبيقي لدراسة العلاقة بين الفراغ المفتوح والتراث.

 

  • حدود البحث:-
  • ‌أ- الحدود المكانية: فراغ مفتوح مختار بالحديقة الثقافية للأطفال (بالسيدة زينب) القاهرة.
  • ‌ب- الحدود الزمانية: فترة عرض مسرحية "دم السواقي". عام 2022م.

 

إن تجربة العمل في فراغ مفتوح كانت من التجارب المثمرة والمفيدة للباحث، حيث يتيح الاحتكاك بفراغ حر ومفتوح للمصمم الفرصة للتحرر من قيود المسرح الكلاسيكي المغلق، الذي يتميز بحدود وإطار ثابت يفرض تعاملاً خاصًا مع تصميم المناظر وفق قواعد متعارف عليها. ومن بين هذه القواعد; استخدام منظور وعمق ايهامي مفترض وغيرهما من القوانين التي قد تعيق المصمم أحيانًا عن تحقيق فضاء افتراضي لا ينسجم دائمًا مع النموذج المغلق التقليدي.

 

وبالرغم من أن العرض المسرحي محل الدراسة تم تنفيذه سابقًا على مسارح كلاسيكية مغلقة في عدة تجارب إخراجية مختلفة، إلا أن المخرج اختار تقديم هذا العرض على مسرح مغلق تابع للهيئة العامة لقصور الثقافة - فرع الجيزة (جهة الإنتاج). ومع ذلك، ولإضفاء طابعًا جديدًا ومتميزًا على هذا العرض بما يتماشى مع طبيعته التي تحمل قصصًا من التراث الشعبي المصري، تم اختيار فراغ مفتوح داخل الحديقة الثقافية للأطفال بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة. جاء هذا الاختيار بناءً على الموقع الجغرافي لهذه الحديقة، الذي يقع وسط أقدم الأحياء الشعبية في القاهرة (حي السيدة زينب)، بالإضافة إلى الطابع المعماري المميز للحديقة وكثرة الفراغات المتنوعة داخلها، مما ساهم في توفير فرص متعددة أمام المخرج والمصمم لاختيار أماكن العرض والجمهور بشكل مرن وغير تقليدي. ولم يكن هذا الموقع مهيأً مسبقًا لأن يكون مسرحًا، مما أضاف للعمل طابعًا عفويًا وتلقائيًا يتناسب مع الجو الشعبي الخاص بطبيعة العرض.

 

 

 

  • مفهوم الفراغ المفتوح في المسرح

تميز القرن العشرون بظهور حركات فنية تجريبية امتدت إلى مختلف مجالات الإبداع، ورغم تباينها في الشكل الفني وأساليب المعالجة، إلا أنها اشتركت في رفض الأنماط التقليدية الموروثة والسعي نحو التجديد، بما يعكس رؤية الفنان المعاصر ويجسد فكر وعلوم عصره. ومن بين تلك الحركات الفنية، برزت نزعة التمرد على الفراغ الكلاسيكي الإيطالي في المسرح، المعروف بالمسرح ذي الإطار، وذلك بسبب قيوده على الشكل وأسلوب المعالجة، التي تفصل بين منطقة التمثيل والجمهور" ([1]) 

نتيجة لذلك، ظهرت أشكال متعددة للفراغ المسرحي، تراوحت بين المساحات المفتوحة والمناطق متعددة الاستخدام، حيث تنوعت فيها طرق توزيع منطقتي التمثيل والجمهور، مما أسهم في تعزيز اندماجهما دون وجود فواصل تقليدية، مما عزز التأثير المباشر على نجاح العرض المسرحي. وقد شهد الفراغ المفتوح على المستوى العالمي انتشارًا واسعًا، حيث استخدم في تقديم العديد من العروض داخل الحدائق والشوارع والمساحات المرنة، وكان لذلك أثر كبير في نجاح هذه العروض، نظرًا لاندماج الجمهور في العرض ذاته، مما جعله جزءًا لا يتجزأ من التجربة المسرحية.

تعد المسارح المفتوحة في الوطن العربي محدودة مقارنة بنظيراتها في العروض الأجنبية، ويرجع ذلك إلى تفضيل المجتمعات العربية للمسرح التقليدي، خاصة المسرح الإيطالي، بالإضافة إلى الظروف المناخية، حيث تحد حرارة الصيف من انتشار العروض المفتوحة، التي تقتصر غالبًا على المهرجانات والفعاليات الاحتفالية دون تقديم أعمال درامية تقليدية.

"ويُعتبر الفراغ المفتوح في المسرح أحد أهم المفاهيم التي تطورت عبر الزمن، حيث يشير إلى استغلال المساحات الخارجية كأماكن للعرض المسرحي، مما يتيح فرصًا إبداعية غير تقليدية للمخرجين والمصممين" ([2])، ولذلك يتطلب لطبيعة الفراغ في المسرح المفتوح معالجة ابتكارية، حيث لا يكون الفراغ المسرحي محدد الشكل أو البنية، بل يُعاد تشكيله وفقًا لرؤية المخرج والمصمم، مما يتيح إعادة صياغة مفردات الصورة البصرية للعرض بناءً على الخصائص الجغرافية والمعمارية للمكان المختار. " ويختلف هذا النوع من المسارح عن المسارح التقليدية المغلقة، حيث يتم تعريف الفراغ بناءً على طبيعة الموقع الجغرافي والتفاعل مع البيئة المحيطة. كما يُعد الفراغ المفتوح وسيلة لتعزيز التجربة الحسية للجمهور، حيث يصبح الجمهور جزءًا لا يتجزأ من المشهد المسرحي، مما يخلق علاقة أكثر قربًا بين الممثل والمتلقي بالإضافة إلى ذلك، يسمح الفراغ المفتوح باستخدام عناصر الطبيعة مثل الضوء الطبيعي، الرياح، والأصوات المحيطة لإثراء الصورة المرئية للعرض، مما يجعل التجربة المسرحية أكثر ديناميكية وتفاعلية    ([3])."

وتلعب التقنيات الحديثة، مثل الإسقاطات الضوئية ثلاثية الأبعاد، دورًا جوهريًا في تعزيز الإدراك البصري للفراغ، من خلال تحويل المواقع الأثرية أو المعمارية إلى مساحات تفاعلية ومتغيرة، ما يسهم في خلق تجربة بصرية ديناميكية تجذب الجمهور وتعزز استجابته للمسرح المفتوح.  

" ويرتكز مفهوم الفراغ المفتوح في العروض المسرحية على دمج الإيقاع الحيوي للحياة اليومية مع عناصر الطبيعة الحية، مما يخلق تجربة بصرية ومشهديه تتفاعل مع المحيط الطبيعي، دون الحاجة إلى ديكورات معقدة. في تقديم الدراما الكلاسيكية، مثل أعمال موليير أو شكسبير، يُعاد توظيف عناصر المسرح المفتوح من خلال استخدام مفردات رمزية دلالية تسهم في تشكيل الصورة المتخيلة للمشهد، مع الاعتماد على الأزياء كعنصر بصري رئيسي، حيث تتنوع ألوانها وفقًا للطابع المسرحي. وفي العروض التاريخية، تُستخدم الأزياء بأسلوب بسيط دون مبالغة، بينما تعتمد العروض الكوميدية على التباين اللوني والألوان الزاهية أو الكرنڨالية لتعزيز الطابع الفكاهي والتفاعل المباشر مع الجمهور ([4]) "

 

  • تأثير الفراغ المفتوح على عروض التراث الشعبي

أ:- مفهوم التراث الشعبي:-

يُعدّ مصطلح " التراث الشعبي مصطلحًا شاملاً يُستخدم للإشارة إلى منظومة متشابكة من الموروثات الحضارية التي تشمل السلوكيات، والمعتقدات، والتعبيرات القولية التي توارثتها المجتمعات عبر العصور، وانتقلت من بيئة ثقافية إلى أخرى. ويمتد هذا المفهوم ليشمل الأساطير، والسير الشعبية، والحكايات المتداولة، سواء تلك التي تنتمي إلى التراث العربي القديم أو إلى ما يُعرف بالفولكلور النفعي أو الممارس، أي ذلك الذي لا يزال يُمارس في الحياة اليومية. ولا يتقيد هذا التراث بلغة بعينها، إذ قد يُحافظ على لغته الفصحى، أو يتخذ شكلًا جديدًا في اللهجات المحلية المتعددة، بحسب ما تقتضيه كل بيئة. كما يشمل الفولكلور العربي العام المشترك، إضافة إلى الفولكلور البيئي الذي يتشكل تبعًا لمحددات البيئة الجغرافية والاجتماعية، وظروف الممارسة الحياتية الخاصة بها. ([5])  ".

 

ب:- تأثير الفراغات المفتوحة على عروض التراث:-

إن مفهوم التراث الشعبي يُعدُّ مفهومًا مركبًا يتداخل فيه البُعد البيئي مع البُعد الثقافي، حيث تُستدعى مظاهر هذا التراث في صيغ احتفالية شعبية تتنوع ما بين الحكي، والعروض التمثيلية، والممارسات الطقسية. وقد حظيت الأماكن المفتوحة – كالساحات العامة ومسرح الشارع والمقاهي وأماكن السمر بالدور الأكبر في احتضان تلك المظاهر، لما تتسم به من حميمية وتفاعل مباشر بين المؤدين والجمهور. ومع تطور هذه الممارسات، ظهرت فضاءات مخصصة لاحتواء السير الشعبية، دون أن تفقد طابعها التلقائي والمتجذر في البيئة.

 

ولقد لعبت البيئة دورًا حيويًا في إبراز الطابع الأصيل لتلك الاحتفالات والعروض، وأسهمت في تقديمها بصورتها الحقيقية المتكاملة، بما لا يمكن تحقيقه بذات الكفاءة داخل الفضاءات المغلقة أو المسارح الكلاسيكية ذات القوالب الثابتة، التي لا تتماشى غالبًا مع الروح الفطرية لعروض التراث الشعبي.

 كما أن المسرح في الفراغات المفتوحة يمتلك جذورًا من عمق التاريخ، تعود إلى العروض الإغريقية التي قُدِّمت في الساحات العامة قبل بداية العمارة المسرحية بمعناها المعروف. ويمتاز هذا النوع من المسرح بقدرته على خلق حميمية مكانية للمتلقي، حيث تُكسر الأطر التقليدية للمسرح – كنموذج مسرح العلبة الإيطالية – مما يمنح المتفرج تجربة حسية وجمالية مختلفة، ويُسهم في إعادة تشكيل العلاقة بين العرض والمكان والجمهور بطريقة أكثر تفاعلاً وحيوية.

 

والفضاء المفتوح ليس مجرد بديل عن العمارة المسرحية، بل هو وسيلة فنية – اجتماعية لإنتاج تجربة مسرحية جديدة، تعتمد على أسلوب معالجة هذ الفراغ وكيفية توظيفه لملائمة العروض المسرحية بشكل عام والتراثية بشكل خاص خاصة والتي تخدم بيئتها الجغرافية.

 

وقد أقيمت العديد من المهرجانات التراثية التي تقدم عروض التراث الشعبي سواء المسرحي أو السيرة الشعبية الغنائية التراثية في مصر والوطن العربي، والتي تعتمد علي توظيف البيئة والفراغات المفتوحة لتقديم عروضها التراثية مثل (مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بمنطقة الكهيف بإمارة الشارقة بدولة الامارات العربية المتحدة, ومهرجان الطبول والفنون التراثية بمسرح بئر يوسف بالقلعة بمصر, ومهرجان شرم الشيخ للهجن والتراث بمصر, والمهرجان الثقافي لأهلّيل بمدينة تميمون في عمق الصحراء الجزائرية، ومهرجان الخريف السياحي الدولي بمدينة هون بالجماهيرية العربية الليبية, هذا بالإضافة إلي العديد من المسارح والساحات المفتوحة في مصر وغيرها من الدول العربية والتي أضافت تلك الأماكن إلي قيمة العروض التراثية من حيث الشكل العام للعرض وكذلك تفاعل الجمهور مع بيئة وجغرافية العرض.

 

وفي الشكل رقم (1) تظهر مجموعه من مشاهد العرض المسرحي ( الرداء المخضّب بالدماء) ثالث العروض التي قدّمها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ضمن إطار المسرح الصحراوي، دعمًا لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي وتعزيزًا لحضوره الثقافي والإعلامي. وقد ساهم هذا العمل في استقطاب جمهور واسع، وترسيخ مكانة المهرجان في الوعي المسرحي العربي. ويمتاز مهرجان الشارقة بتقديم عروضه المسرحية في قلب الصحراء، مما يُضفي بُعدًا جماليًا وتفاعليًا فريدًا، يربط بين العرض والبيئة الطبيعية، ويخلق أجواءً مسرحية ساحرة. كما تُتيح لياليه فرصًا للحوار وتبادل الرؤى بين الفنانين والجمهور، في إطار يجمع بين الفن والفكر.

الشكل رقم (1) (*) يُظهر مجموعة من مشاهد العرض التراثي "الرداء المخضّب بالدماء"، الذي قُدِّم في إطار مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في ديسمبر 2024م، ضمن فضاء صحراوي مفتوح يُحاكي البيئة البدوية من حيث التلال والخيام، في تشكيل بصري يُضفي على العرض طابعًا واقعيًا يتناغم مع طبيعته التراثية.

 

  • الحديقة الثقافية للأطفال ( المكان الذي تم اختياره لتقديم عرض دم السواقي محور البحث)

يُعد تقديم العروض المسرحية في الهواء الطلق، خصوصًا في فضاءات معمارية مفتوحة ومتميزة في طابعها المعماري كالحديقة الثقافية للأطفال (الحوض المرصود)، تجربة مميزة يندمج فيها الجمهور مع المشهد المسرحي، حيث يسهم الفراغ المفتوح وتداخل الإضاءة والأصوات الطبيعية في دعم الإحساس بروح المكان. وتُعد حديقة الطفل الثقافية بالسيدة زينب، التي حازت على جائزة الآغا خان(*) للعمارة الإسلامية عام 1992، من أبرز المشاريع الحضرية في العالم العربي، وتُستخدم اليوم مركزًا للفعاليات الثقافية والفنية المجانية، بتنظيم المركز القومي لثقافة الطفل.

 

صمم الحديقة المعماري الدكتور عبد الحليم إبراهيم، أستاذ العمارة بجامعة القاهرة، مستلهمًا فلسفته من الجمع بين النظرية والتطبيق، امتدادًا لإرث حسن فتحي. بموقع تاريخي يعود للعصر المملوكي، وطرح كمشروع مسابقة أواخر الثمانينيات بهدف إنشاء حديقة ثقافية معرفية للأطفال. وقد استلهم التصميم من العناصر المحيطة، مثل مئذنة جامع ابن طولون وأشجار النخيل، مع مراعاة الاندماج مع النسيج العمراني للمنطقة، مما منح المشروع هوية معمارية متجانسة مع البيئة التاريخية والثقافية المحيطة به.

 

ويظهر بالشكل رقم (2) مجموعة صور من داخل الحديقة، والتي أسهمت في اتخاذ مخرجة العرض قرار إقامة عرض( دم السواقي ) ضمن هذا الفضاء. وقد استند هذا القرار إلى ما توفره الحديقة من ملاءمة معمارية وتنسيق متميز للفراغات، إضافة إلى الأجواء العامة التي انسجمت مع الطابع التراثي للعرض المسرحي.

شكل رقم (2) (**) مجموعة من الصور للحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب مكان تقديم عرض دم السواقي

 

 

  • الملخص والتحليل الدرامي للنص المسرحي (دم السواقي)

أ:- ملخص النص:-

تدور أحداث مسرحية (دم السواقي)،التي كتبها بكري عبد الحميد(*) عام 2004م،حول إحدى أشهر حكايات العشق والغرام المستلهمة من التراث الشعبي المصري، حيث تسلط الضوء على معاناة العشاق تحت وطأة قسوة المجتمع. وتتمحور القصة الرئيسة حول الحبيبين الشاب نور والشابة صبح، اللذين يعيشان قصة حب بريئة وصافية، غير أن المجتمع يقف حائلًا دون اتحادهما، ساعيًا إلى تفريقهما بشتى الوسائل.

وفي مواجهة هذه التحديات، يتمسك نور وصبح بحبهما، رافضين الاستسلام، ويسعيان إلى حماية قصتهما والوصول بها إلى بر الأمان، مما يؤكد في النهاية انتصار الحب والأمل، وإقصاء قساة القلوب الذين جهلوا معنى الحب. وتعكس المسرحية عبر هذه القصة مصائر مأساوية مشابهة لحكايات مصرية شعبية خالدة مثل )شفيقة ومتولي( و)حسن ونعيمة(، مستحضرة الموروث الشعبي في بناء درامي معاصر. كما تطرح المسرحية تساؤلًا فلسفيًا عميقًا حول ماهية الحب: هل هو جرم يُعاقب عليه العاشقون؟ أم أن هيمنة المال والسلطة هي التي تسلب المشاعر نقاءها وتتحكم بمصير القلوب؟

 

ب: التحليل الدرامي والأدبي للمسرحية:-

تعتمد مسرحية (دم السواقي ) على إبراز معانٍ درامية عميقة للصراع بين نقاء الحب وصفائه من جهة، وقسوة الأعراف الاجتماعية التي تنظر إلى الحب بوصفه جرمًا يستوجب الملاحقة والإدانة من جهة أخرى" .وقد اختار المؤلف بكري عبد الحميد إطار الحكاية الشعبية ليؤسس مصداقية القصة في الوعي الجمعي للمجتمع المصري، مستندًا إلى رمزية التراث الشفهي في تشكيل الوجدان الشعبي، وفي الوقت نفسه أعاد صياغة هذه الأساطير ضمن بناء مسرحي معاصر، يمنحها أبعادًا درامية أكثر حيوية وتأثيرًا. ويتميز البناء الدرامي للمسرحية بتصاعد تدريجي للتوتر بين العاشقين والعقبات الاجتماعية التي تعترض طريقهما، حيث يتنامى الصراع حتى يبلغ ذروته عند لحظة تبدو فيها نهاية الحب والانفصال أمرًا محتوماً، منتهجاً بذلك أثر النهايات التراجيدية المألوفة في الحكايات الشعبية المصرية مثل (شفيقة ومتولي) و (حسن ونعيمة)." ([6])

 

غير أن المسرحية، في تطور فني لافت، تنقلب على هذا النمط المأساوي التقليدي، إذ تختار أن تُتوَّج القصة بانتصار رمزي للحب، مُعلنة انتصار المشاعر الإنسانية الصادقة على قوى القهر الاجتماعي والتسلط الطبقي.

 

وقد ساهمت المخرجة نهال أحمد، بالتنسيق مع المؤلف، في إعادة صياغة نهاية العرض، بحيث تميل إلى بث روح الأمل والتفاؤل، مما يعكس نزعة إنسانية معاصرة تُؤمن بإمكانية مقاومة الفساد الاجتماعي عبر قوة الحب كقيمة عليا. وبذلك، لم تقتصر المسرحية على استلهام التراث الشعبي فحسب، بل منحته أفقًا حداثيًا، فأعادت إحياء جذوره بمنهجية جديدة، تتسم بالتحرر والانفتاح على معطيات التغيير الاجتماعي والإنساني.

 

  • تحليل الصورة المرئية للعرض المسرحي (دم السواقي)
  • ‌أ- التصميم الأولي وتحليله تشكيلياً.

في اللقاء الأول مع المخرجة/ نهال أحمد، مخرجة عرض دم السواقي، ومسؤولي الهيئة العامة لقصور الثقافة، تم الاتفاق على أن العرض يجسد عبر مجموعة من الصور الفنية والاستعراضية لقصص الحب المأساوي المستلهمة من التراث الشعبي المصري، مثل "حسن ونعيمة" و"شفيقة ومتولي". وقد صُممت الأحداث لتدور في ساحة مفتوحة تنبض بأجواء الموالد الشعبية، متضمنة عناصر احتفالية كعربة النيشان، مراجيح الأطفال، ألعاب "مدفع القوة"، وساقية كبيرة تمثل محور الحدث، إضافة إلى جدران وإكسسوارات تعكس البيئة الريفية.

ورغم أن تصور العرض اقتضى فضاءات متفرقة ومفتوحة لاحتواء طبيعة الاستعراضات وتنوع الأماكن، إلا أن الفكرة تم تصميمها في المرحلة الأولي بفراغ حر دون التقيد بمكان محدد وذلك من الباحث بتخيل مكان افتراضي مفتوح لحين تحديد الفراغ الذي سوف يتم عليه تقديم العرض من جهة تقديم العرض،  حيث انهم مرتبطين بأماكن وقاعات محددة حسب الجدول الزمني للعروض، مما فرض تحديات تصميمية، إلى جانب توجيه الجهة المنتجة بضرورة ترشيد تكاليف الديكور والإكسسوارات لتتناسب مع الميزانية المحدودة.

 

انطلاقًا من تحليل المعطيات الدرامية والبصرية للعرض، اقترح الباحث تصورًا مبدئيًا، كما هو موضح في الشكل رقم (3)، يرتكز على تصميم ساحة مركزية تُعد بمثابة القلب النابض للحدث المسرحي. تتوسط هذه الساحة ساقية كبيرة دائمة الدوران، تشكّل محورًا رمزيًا تتوالد حوله الحكايات، إذ تَستدعي سرديات العشاق الذين احتضنتهم هذه الساحة، وانتهت قصصهم نهايةً مأساوية نتيجة الرفض الاجتماعي والتعصّب الطبقي والعائلي. وقد شكّلت هذه الساقية مسرحًا للصراع بين قوى اجتماعية متباينة: بين من يتعاطف مع هؤلاء العشاق ومن يعارضهم بعنف، مما أفضى في معظم الأحيان إلى نهايات دموية مأساوية، جسدت قسوة المجتمع. وتُطوّق الساحة مجموعة من الأشجار التي تحاكي الملامح الجغرافية للساحة الشعبية، في إطار يحاكي الطبيعة الريفية. أما الجدران، فقد شُيِّدت من حصير البوص، وأُثثت الساحة ببعض الإكسسوارات الدالة على البيئة القروية، مثل "الزير" والجلسات الأرضية، في إحالة صريحة إلى البعد التراثي والمعيشي للبيئة الريفية. وفي عمق المشهد، أُضيفت خلفية لبيوت ضخمة تعلو الساحة، في ترميز بصري إلى هيمنة المدنية وتحكُّمها، بما يرسّخ الإحساس بالمكان الخارجي المفتوح، ويعمّق من انغماس المتفرج في أجواء العرض.

الشكل رقم (3) التصميم الأولي المقترح لعرض (دم السواقي ) تصميم المنظر للباحث، على فراغ حر مفتوح إخراج، نهال أحمد، من اتناج الهيئة العامة لقصور الثقافة فرع الجيزة عام 2022م

وفي الشكل رقم (4)، قام الباحث بمحاولة تخييل لحظة ضوئية درامية للمشهد المسرحي، مقرونة بوصف دقيق للمسقط الأفقي للفراغ المتخيل، والذي بلغت أبعاده التقريبية 18.5 مترًا عرضًا و10 مترًا عمقًا، بما يتناسب مع تعدد وتوزيع المفردات البصرية المكونة للصورة المشهدية، مثل المراجيح، وعربة النيشان، والساقية الدوّارة، وسائر المفردات التراثية المستلهمة من البيئة الشعبية مثل الجدران المصنوعة من البوص، بالإضافة إلى الأشجار المحيطة بفضاء الأداء.

وقد تم رفع بعض هذه المفردات فوق مستوى أرضية المشهد بارتفاع يُقدّر بنحو 40 سم، مع إضافة درجتين تتيحان سهولة الصعود والهبوط، في محاولة لإثراء التكوين العمودي للعرض المسرحي، بما يُسهّل توزيع المساحات التمثيلية وفق رؤية إخراجية مرنة، ويُضفي تعددًا في المستويات الرأسية للمشهد، يسمح بتوليد ديناميكية بصرية وحركية. ويُسهم هذا التوزيع في إشراك المتفرج كمشارك وجداني وذهني في الحدث المسرحي، لا كمتلقٍ سلبي أو منفصل عن مجرياته، وهو ما يميز طبيعة العروض المنفذة في الفضاءات المفتوحة، خصوصًا إذا ما انتمت إلى سياق عروض التراث الشعبي المصري.

ولتعميق الإحساس بالمكان وتأكيد الهوية التراثية للمشهد، تم تصميم مجموعة من الجدران الخلفية المرتفعة، تجسد واجهات البيوت التقليدية، وقد رُسمت بعناية على أسطح جدارية مُعدّة خصيصًا، بما يمنح المتلقي الإحساس بأنه داخل بيئة تراثية حقيقية، يحتضنها المكان نفسه، ويُستدعى فيها الحدث من عمق الذاكرة الجمعية، وكأن المشاهد يعيش الزمن الفعلي للوقائع ذاتها.

الشكل رقم (4) لحظة ضوئية متخيلة والمسقط الأفقي للتصميم الأولي المقترح لعرض (دم السواقي )

  • ‌ب- اختيار مكان العرض والتصميم النهائي وتحليله تشكيلياً.

1.اختيار مكان العرض:- بعد سلسلة من الزيارات الميدانية المكثفة إلى الحديقة، بالتعاون مع مخرجة العرض، تم إجراء معاينات دقيقة لعدد من المواقع داخل الحديقة بغرض اختيار الموقع الأمثل الذي يحقق التكامل الوظيفي والتشكيلي مع متطلبات العرض المسرحي. وقد ارتكزت هذه المعاينات على عدة اعتبارات تتعلق بإمكانية توظيف عناصر البيئة المكانية المتوفرة – من أماكن جلوس، ومساحات تمثيل، ومفردات ديكور طبيعية وصناعية – بما ينسجم مع الرؤية البصرية والفنية للعرض.

ارتكز البحث عن موقع يجمع بين الخصائص التالية:

  • ‌أ- مساحة الحدث المسرحي: تم تحديد ضرورة وجود مساحة متسعة تمثل الساحة الرئيسة التي تجري فيها أحداث العرض بالكامل، على أن تكون هذه المساحة محاطة بعناصر بصرية طبيعية كالأشجار وبعض المباني ذات الطابع التراثي، بما يساهم في دعم الطابع الجمالي والمعماري التراثي للحديقة، ويبرز البعد التمثيلي للمنظر المسرحي. كما أُخذ بعين الاعتبار ضرورة تكامل هذه الخلفية الطبيعية مع عناصر الديكور المصممة خصيصًا للعرض مثل "عربة النيشان"، و"الساقية"، وخلفيات البيوت التراثية، إضافة إلى بعض مظاهر المولد الشعبي كالمراجيح وعربة مدفع القوة، وذلك بما يخدم السياق البصري والدرامي دون افتعال. ولتحقيق رؤية بصرية واضحة ومريحة للجمهور، كان من الضروري أن تكون هذه الساحة في مستوى أدنى من مستوى جلوس المشاهدين.
  • أماكن الجمهور: تطلّب تصميم الفضاء المسرحي اختيار مواضع ملائمة لجلوس الجمهور، تضمن التوزيع البصري السليم للمنظر بأكمله، وتُتيح دمج المتلقي داخل الحدث المسرحي بشكل تفاعلي. ولتحقيق أفضل زوايا الرؤية، تم توزيع أماكن الجمهور على كامل محيط ساحة العرض، بما يدعم من العلاقة التشاركية بين المشاهد والمشهد المسرحي.
  • الخلفية المعمارية: اقتضت الرؤية الإخراجية والمعمارية للعرض المسرحي وجود خلفية من المباني التراثية الثابتة، تعمل على احتواء المنظر وتوفير امتداد بصري يتناغم مع عناصر الصورة المسرحية، ويدعم الأبعاد التاريخية والجمالية التي يستند إليها العرض.

وفي الشكل رقم (5)، يظهر الموقع المسرحي الذي تم الاستقرار عليه بالتوافق بين الباحث والمخرجة، والذي يلبّي المتطلبات السالفة الذكر من حيث الوظيفة، والتشكيل، والملاءمة البصرية. وقد تم اعتماد هذا الموقع لما يتيحه من إمكانيات فعالة في توظيف الطابع التراثي المميز للحديقة داخل الصورة المسرحية، بصورة طبيعية وغير مفتعلة، تعكس أصالة المكان وتدعّم جمالية التلقي البصري للعرض.

الشكل رقم(5) مجموعة صور للموقع المختار بالتنسيق مع مخرجة العرض، من زوايا متعددة، يبرز الخصائص المعمارية والتراثية للمكان. وتُظهر هذه الصور الإمكانيات المتاحة لتوظيف مفردات البيئة المحيطة داخل التكوين البصري للعرض المسرحي، ، بما يحقق تكاملًا بصريًا وجماليًا بين معمار المكان الطبيعي والمفردات الإبداعية المصاحبة للعرض.

 

2.التصميم النهائي وتحليله تشكيلياً:-

 بعد الاستقرار على الموقع المختار لإقامة العرض المسرحي، شرع الباحث في رفع المساحة الخاصة بفضاء العرض وتحديد العناصر المعمارية التراثية ضمن بنية الحديقة، والتي سيتم توظيفها ضمن التشكيل السينوجرافي للعرض. وقد شمل ذلك دراسة دقيقة لمكونات المعمار التقليدي داخل الحديقة، لا سيما العناصر القابلة للاستغلال في تكوين المشهد المسرحي.

قام الباحث بتحديد مواقع قطع الديكور الكبرى داخل فضاء العرض المفتوح، كالمراجيح وعربة النيشان وغيرها من مظاهر الاحتفال الشعبي، التي تمثل عناصر بصرية محورية تُجسّد الطابع الاحتفالي الشعبي الذي يشكل البنية الجمالية والرمزية للعرض. وقد جرى اختيار موضع الساقية الدوّارة وخلفيتها بعناية فائقة، لما تحمله من دلالة محورية ترتبط بمحور الحدث الدرامي ومعالجته الاخراجية.

وعلي ذلك فإن الفضاء المفتوح يقدم تجربة أدائية ثرية ومغايرة، سواء في إطار العرض المسرحي بوجه عام أو المسرح التراثي على وجه الخصوص. " فلقد شهد الفضاء المسرحي تحولات معمارية وفنية عميقة جاءت استجابة للتحوّلات الزمنية وتطور أنماط التلقي، مما أفضى إلى بروز الفضاء المفتوح بوصفه أداة تعبيرية فعّالة تتجاوز الوظيفة التقليدية للخشبة. ويُوظَّف هذا النوع من الفضاءات كوسيط حي ومباشر بين المُمثِّل والمتلقي، بما يُتيح للمخرج والمصمّم إعادة تشكيل المشهد المسرحي وفقًا لخصوصية النص ورؤية الأداء. ومن خلال هذا التوظيف، يتكامل البُعد الجمالي مع البُعد الفكري، ليُصبح الفضاء المفتوح تجسيدًا بصريًا نابضًا لروح الحدث المسرحي، وعنصرًا تفاعليًا، يسهم في تحقيق التماهي بين الجمهور والعرض. ." ([7])

يعرض الشكل رقم (6) مجموعة من الصور التوضيحية التي تعكس التكوين المكاني النهائي للعرض المسرحي، توضح هذه الصور توزيع مناطق الأداء المسرحي ومقاعد الجمهور، بالإضافة إلى العناصر البصرية المكونة للمشهد، بما في ذلك الديكور والإكسسوارات والخلفية المعمارية للحديقة، فضلاً عن الأشجار الطبيعية المحيطة بالموقع. ويعكس هذا التوزيع المكاني نهجًا مسرحيًا تفاعليًا يبرز العلاقة التبادلية بين الفضاء المسرحي والجمهور، مما يخلق تجربة مشاهدة تتسم بالتواصل المباشر بين عناصر العرض.

يوضح الشكل رقم (6) لقطات متنوعة من زوايا مختلفة لتصميم المنظر المسرحي لعرض دم السواقي من تصميم الباحث، توضح مكونات التشكيل السينوجرافي وتوظيف الطابع المعماري والتراثي للحديقة، من خلال توزيع مناطق التمثيل والجمهور بما يحقق تفاعلًا مباشرًا بين العرض والمتلقي، ويُجسد تكامل الشكل والمضمون ضمن فضاء مسرحي مفتوح.

وفي الشكل رقم (7) يوضح الباحث التحليل التشكيلي للمنظر من خلال التصميم النهائي والمسقط الأفقي له من خلال النقاط التالية:

أولًا: الرؤية العامة للتصميم

جاء تصميم المنظر المسرحي في عرض دم السواقي معبِّرًا عن روح البيئة الشعبية المصرية، حيث سعى الباحث إلى توظيف مفردات بصرية مستمدة من التراث المعماري والاجتماعي المرتبط بالواقع المصري المحلي، وعلى نحو ينسجم مع طبيعة العرض وموقعه داخل الحديقة. فقد تم دمج عناصر مثل الساقية الريفية، والمراجيح، والأواني التراثية، إلى جانب الحصير على الأرض في الخلفية والمصنوع من البوص، وبعض الرموز الشعبية التي تحاكي أجواء الموالد والاحتفالات الشعبية.  ولم يكن هذا التوظيف عشوائيًا أو زخرفيًا، بل جاء محكومًا برؤية جمالية تستند إلى المزج بين الواقع الملموس والمحاكاة الرمزية لعناصر الحياة اليومية في المجتمعات الريفية والمدن القديمة. وقد سعى الباحث من خلال هذا التكوين إلى إعادة بناء الفضاء الطبيعي للحديقة ليكون فضاءً دراميًّا مفتوحًا، يتيح تواصلاً حيًّا ومباشرًا بين الممثلين والجمهور، ويحوّل العرض إلى تجربة احتفالية قائمة على التفاعل والمشاركة، بما يتناسب مع طبيعة المسرح الشعبي والتراثي الذي يُعيد صياغة العلاقة بين الفن والمتلقي في فضاء طبيعي مشترك.

 

 

 

الشكل رقم (7) التصميم النهائي للمنظر والمسقط الأفقي للعرض المسرحي دم السواقي الذي تم عرضه على الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب عام 2022م من تصميم الباحث وإخراج نهال أحمد

 

ثانيًا: المفردات التشكيلية للمنظر

  1. معمار الحديقة:- حرص الباحث في تصميم الخلفية على توظيف وحدات معمارية من معمار الحديقة الذي يحتوي علي ملامح المباني التراثية، من قباب وأقواس ومنمنمات زخرفية، وقد جاءت هذه الخلفية كامتداد بصري لواقع المكان الشعبي، لتعزيز الإحساس بالتواجد في بيئة ثقافية مألوفة، تُعيد تشكيل الإطار العام للحدث الدرامي وتربطه بالسياق الاجتماعي والتراثي للعرض.
  2. الساقية (محور المنظر):- تم وضعها في مركز المنظر حيث أنها محور الحدث المسرحي وتدور حولها معظم احداث العرض، ليس فقط بوصفها عنصراً بصرياً جاذباً، وإنما لما تحمله من دلالة رمزية على استمرارية الحياة ودوران الزمن وأن تلك الاحداث من السيرة الشعبية داخل العرض مستمرة ومتكررة على مدار الزمن مثل حركة دوران الساقية. وقد أراد الباحث أن يضعها في صدارة المشهد بوصفها مفردة بصرية تنبع من صلب الحياة الريفية، وتسهم في ضبط إيقاع الحركة داخل الفضاء المسرحي.
  3. أشجار النخيل والعناصر الطبيعية:- تم توظيف المفردات النباتية بالحديقة وعلى رأسها أشجار النخيل والأشجار الموجودة بموقع العرض المختار لمزيد من الانتماء المكاني للعرض، حيث تحمل الطبيعة دلالة حيوية ترتبط بالحديقة كموقع فعلي للعرض، وتعمل في الوقت ذاته على خلق امتداد بصري حي، يساعد الجمهور في الاندماج داخل أحداث العرض من خلال بيئة طبيعية تتجاوز الجدران المسرحية التقليدية.
  4. المراجيح وعربة النيشان على جانبي المنظر:- تم توزيع بعض العناصر ذات الطابع الاحتفالي كالمراجيح وعربة النيشان، بما يُحاكي أجواء الموالد والاحتفالات الشعبية التراثية. وقد تم اختيار هذه العناصر لما تحمله من بعد وجداني مرتبط بالذاكرة بتلك المظاهر الاحتفالية التراثية، إذ ترمز المراجيح إلى لحظات الطفولة والفرح العفوي، بينما تمثل عربة النيشان مظهرًا من مظاهر ألعاب الشارع الشعبي، التي اعتاد الناس رؤيتها في البيئات الفولكلورية التراثية.
  5. الأواني الفخارية والحصير:- تم توظيف مجموعة من الأواني الفخارية ذات الطابع الشعبي التراثي المستلهم من البيئة المصرية الريفية، بما تحمله من ملامح الحياة البسيطة التي تغيب عنها مظاهر الرفاهية والتعقيد الحضري، وتعبّر عن عمق الهوية المحلية والارتباط بالوجدان الشعبي. كما تم استخدام الحصير، سواء بوضعه على الأرض أو توظيفه كخلفية، في انسجام بصري مع عناصر المشهد، ليكون امتدادًا مباشرًا لمفردات البيئة التراثية الشعبية. ويُعد هذا التوظيف جزءًا من استراتيجية بناء المنظر المسرحي، تُستثمر فيه الخامات البيئية بهدف استدعاء ذاكرة المكان وتحفيز المتفرج على استرجاع صور الطفولة والحنين إلى حياة الريف وما تحمله من بساطة وأصالة.

ثالثًا: توزيع الفضاء وتفاعل الجمهور

تم تقسيم الفضاء إلى منطقتين هما علي النحو التالي:-

  1. منطقة التمثيل:- تم تقسيم منطقة التمثيل بالتنسيق مع مخرج العرض بين عناصر بيئية مثل الساقية والمراجيح والتكوينات الخلفية، في تشكيل فضاء مسرحي يتسم بالتنوع المكاني وتعدد المستويات. وقد أتاح هذا التوزيع للممثلين والراقصين حرية حركة مرنة داخل مشهد حيوي تفاعلي، يُسهم في إنتاج صور مسرحية نابضة بالحياة وغنية بالمعاني البصرية والرمزية. كما منح هذا التكوين الإخراجي المخرجَ فرصة لتوظيف إمكانات المشهد في استثمار المستويات الأفقية والرأسية معًا، مستندًا إلى ما تتيحه البنية المعمارية للموقع المختار من مرونة تشكيلية، ترفع من الأداء وتفتح المجال أمام بناء درامي متعدد الطبقات. وفي هذا الإطار " يتّجه المسرح التراثي إلى بلورة فضاء رمزي يستمد خصوصيته من الموروث الشعبي، مرتكزًا على عناصره الرمزية والبصرية ذات الطابع البسيط والمتنوع، في محاولة جادة لتأصيل العرض المسرحي داخل بيئة ثقافية أصيلة ذات أصول في الذاكرة الجمعية. فالفضاء هنا لا يُختزل في كونه مجرد إطار شكلي أو خلفية للحدث، بل يتحول إلى مكوّن جوهري فاعل في البنية السينوجرافية، يسهم في تحفيز التفاعل والتواصل الحيوي بين العرض والمتلقي. ومن ثمّ، فإن عروض المسرح التراثي ترفض الانغلاق داخل تقنيات جاهزة أو فضاءات نمطية مغلقة، لتتجه نحو بدائل إخراجية مرنة منفتحة على البيئة، تتكيّف مع طبيعة النص وروح المكان، في تأكيد واضح على أن لكل عرض مسرحي فضاءه الخاص، الذي يُعبّر عن رؤيته الفنية ويُجسّد دلالات الموروث الشعبي في بنية بصرية قادرة على التفاعل مع المتلقي في سياق معاصر." ([8])
  2. منطقة الجمهور: تم توزيع مقاعد الجمهور بطريقة تُحيط جزئيًا بالفضاء المسرحي، مما أوجد علاقة شبه دائرية بين المتلقي والمشهد، وأسهم في كسر الحواجز التقليدية بين منقطة العرض والجمهور. وقد ساهم هذا التكوين في ترسيخ مبدأ التفاعل الحي الذي يُعد من السمات الجوهرية للمسرح التراثي المفتوح، حيث يتحول المتفرج من موقع المشاهدة فقط، إلى طرف فاعل ضمن التجربة المسرحية، ويندمج بصريًا ونفسيًا في سياق الحدث، بما يُعمق من أثر التلقي ويُضفي على المشهد طابعًا تشاركيًا نابضًا بالحيوية.

رابعًا: الخامات

تم توظيف خامات شعبية بسيطة كالبوص أو الحصير على الأرض او الخلفية والخشب الطبيعي، وبعض المواد المستمدة من البيئة الريفية، في بناء التكوين البصري للمشهد. وقد جاء هذا الاختيار ليؤكد على الهوية التراثية ويزيد من منطق الصدق الواقعي للصورة المسرحية، من خلال استحضار مفردات مألوفة ذات جذور بيئية وشعبية. كما ساهمت هذه الخامات في خلق علاقة وجدانية بين المتفرج والمكان، لما تحمله من دلالات حسية وبصرية تستدعي ذاكرة الحياة اليومية في الريف المصري، مما يدعم التلقي ويُثري البُعد الرمزي التراثي للعرض.

خامساً المسقط الأفقي للمنظر:-

يكشف المسقط الأفقي لتصميم المنظر عن كيفية توزيع مقاعد الجمهور على مستويات متدرجة داخل أرضية الموقع الذي يحتضن الحدث الدرامي، بما يراعي طبيعة الأرض والمستويات البصرية المطلوبة. كما يتضح من خلاله التنظيم لمفردات العرض المسرحي وتوزيع عناصره، وفق رؤية إخراجية تهدف إلى محاكاة التكوينات الواقعية في الساحات الشعبية والبيئات الريفية. وقد جاء هذا التوزيع ليعكس بعدًا تشكيليًا ذا طابع تراثي، يستلهم الأشكال المصرية التقليدية، ويزيد من الإيهام بالمكان الحقيقي، ويمنح العرض عمقًا بصريًا وإنسانيًا.

 

  • الرسوم التفصيلية والتنفيذية للعرض:-

يوضح الشكل رقم (8) الرسوم التفصيلية والتنفيذية لعرض دم السواقي، والتي صُممت كي تتكامل مع المعمار الثابت للحديقة، ومستلهمة من رموز التراث الشعبي المصري مثل المراجيح والساقية وعربة النيشان وعربة الكارو المزخرفة، في بناء بصري يُفعّل الفضاء السينوجرافي ويعكس البيئة الثقافية للعرض.

الشكل رقم (8) الرسوم التفصيلية والتنفيذية للعرض المسرحي (دم السواقي ) من تصميم الباحث وإخراج ، نهال أحمد، تم تقديمه علي الحديقة الثقافية للأطفال عام 2022م

  • التصميمات الاسترشادية للأزياء:-

قام الباحث بعمل مجموعة من التصميمات الخاصة بأزياء عرض دم السواقي كما في الشكل رقم (9)، كنوع من الأزياء الاسترشادية لمخرجة العرض بهدف بناء رؤية سينوجرافية متكاملة تتناغم فيها عناصر الديكور مع الملابس المسرحية. وقد استند هذا التصوّر إلى تحليل النص ودراسة طبيعة الشخصيات الدرامية، التي اتضح انتماؤها إلى نماذج من التراث الشعبي، كما في (حسن ونعيمة ،شفيقة ومتولي، ياسين وبهية) وفي مقابل ذلك، برزت شخصيتا (نور وصُبح) كممثلَين للوعي المعاصر، يرتديان أزياءً عصرية بروح شعبية، في حين ظهرت الشخصيات التراثية بملابس ريفية تقليدية وأخري من صعيد مصر، تنوعت في ألوانها وخاماتها بحسب الدور والمكانة. أسهم هذا التوظيف البصري للأزياء في إبراز الفوارق الزمنية والدلالات الاجتماعية، محولًا اللباس إلى عنصر تعبيري فاعل داخل العرض المسرحي، ومستندًا إلى نماذج أصيلة من الزي الشعبي المصري.  "وتُعدّ الأزياء التراثية في مصر جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والتاريخية للشعب المصري، وتعكس تنوع البيئات الجغرافية والاجتماعية عبر العصور. فقد اختلفت الملابس التقليدية بحسب المناطق المختلفة مثل الوجه البحري والصعيد والواحة والدلتا، حيث كانت تُستخدم مواد طبيعية مثل القطن والكتان والصوف، وتُطرَّز بألوان وزخارف تحمل دلالات اجتماعية وثقافية وحتى رمزية. وقد حافظت المرأة الريفية على العديد من تلك التقاليد، خاصة في المناسبات الاجتماعية كالزواج والأعياد، حيث تظهر الزخارف المطرزة والتطريزات اليدوية التي توارثتها الأجيال شهادةً على عراقة هذه الصنعة." ([9])

الشكل رقم (9) مجموعة من تصميمات الأزياء الاسترشادية لمخرجة للعرض المسرحي (دم السواقي ) بهدف تقديم رؤية سينوجرافية متكاملة من تصميم الباحث وإخراج ، نهال أحمد، تم تقديمه على الحديقة الثقافية للأطفال عام 2022م

 

"والملابس الشعبية في المجتمع المصري لا تعكس مجرد غرض وظيفي أو جمالي، بل تنم عن انتماءات اجتماعية وثقافية واقتصادية. فالألوان، وخامة القماش، ودقة التطريز، وتفاصيل الزخرفة كلها تعمل كـلغة بصرية مرئية تعبّر عن الطبقة، والمنطقة، والمناسبة الاجتماعية. كما تحمل بعض أشكال الملابس دلالات رمزية مرتبطة بالمعتقدات الشعبية والمناسبات الموسمية، فتتجاوز دورها كلباس إلى كونها جزءاً من الطقس الشعبي ذاته".([10])

ومن خلال تصميمات الأزياء في العرض المسرحي دم السواقي، لم تكن الأزياء التراثية مجرد عناصر زينة أو ديكور خارجي، بل أصبحت لغة بصرية غنية تحمل دلالات متعددة. فقد تم اختيار الملابس بدقة متناهية لتجسد روح البيئة الريفية من خلال قطع مثل العباءة الزراعية وزينة الرأس التقليدية للرجال او السيدات، التي اندمجت في العمل كعناصر أساسية في بناء القصة. 

ومن خلال هذا التفاعل بين الشكل والمضمون، ساهمت الأزياء في إنشاء فضاء مسرحي يقترب من الواقع، مما ساعد على تفاعل الصورة المسرحية بين المتفرج والعرض. إذ صارت الملابس انعكاسًا للهوية الاجتماعية للشخصيات ومحيطها، وانسجمت مع طبيعة المكان المفتوح الذي استضاف العرض، ليزداد الإحساس بالقرب والصدق الفني. وتميزت الرؤية التصميمية للأزياء بالتركيز على قراءة السياق الثقافي المحلي للشخصيات. هذا النهج أسهم في بناء عالم بصري متكامل، حيث أصبحت الملابس أداة تسهم في تعميق الدلالات وتجسيد الهوية المحلية بطرق غير مباشرة.  بهذا الأسلوب أصبحت العناصر التراثية جسر تواصل مباشر بين خشبة المسرح والجمهور، دون الحاجة إلى تفسير أو شرح، حيث عبرت التفاصيل الصامتة عن نفسها بلغة بصرية جامعة، تفهمها العين قبل الكلمة.

  • الأزياء علي خشبة المسرح

 بسبب محدودية الميزانية، تم اختزال بعض التفاصيل الدقيقة في الأزياء مع الحفاظ على الطابع التراثي العام. جرى التنسيق مع فريق العمل لاستخدام إكسسوارات بسيطة مثل الشال والعمامة لتعويض بعض العناصر. كما استُخدمت ملابس جاهزة ذات طابع فلاحي، كالصديري والسروال الأبيض. وقد ساهم هذا التكيف في الحفاظ على الهوية البصرية للعرض دون الإخلال بجوّه الشعبي.

 

شكل رقم (10) صور من الأزياء علي خشبة المسرح في ظل التعديلات بسبب ضعف ميزانية العرض

  • مراحل تنفيذ وتركيب الديكور

 يوضح الشكل رقم (11) تسلسل مراحل التنفيذ وتركيب المنظر المسرحي في الفضاء المختار لتقديم العرض، وذلك بالتنسيق مع مخرجة العمل. وقد حرص الباحث على توظيف العناصر البيئية الطبيعية المحيطة بالساحة بما يسهم في اندماج المتلقي في الفعل الدرامي، كما يُسهم في تحقيق انسيابية العلاقة بين المشاهد والحدث المسرحي.

وتتضمن الصور المصاحبة بالشكل ترتيبًا بصريًا من الأعلى إلى الأسفل، يعكس مراحل تركيب وحدات المنظر وتنفيذ الرسوم التراثية على الحُصُر الملوّنة، والتي وقع عليها الاختيار لما تحمله من رموز تنتمي إلى البيئة الشعبية المصرية، خصوصًا في مضمونها الذي يضم الطيور والزهور وأغصان الأشجار، بما يتناغم مع المحتوى الرمزي للنص المسرحي الذي يتناول حكايات حب تُظللها نغمة درامية مأساوية.

وقد اختير اللون الأسود لتجسيد تلك المفردات البصرية بهدف الإيحاء بالنهاية التراجيدية التي انتهت إليها قصص الحب المشار إليها، في حين قام الباحث بربط كافة الحصر الموضوعة في خلفية الساقية – وهي المركز الرمزي لفضاء الحدث – بخطوط بيضاء، توحِّد التكوين بصريًا وتخلق نوعًا من الاتساق الموضوعي، إلى جانب ما تحمله من دلالة رمزية على الأمل والنقاء، في إشارة إلى مستقبلٍ أكثر إشراقًا لشخصيتي (نور وصبح)، بطلي العرض المسرحي.

 

 

شكل رقم (11) يوضح من خلال مجموعة صور تنفيذ وتركيب المنظر المسرحي لعرض دم السواقي، تصميم الديكور والازياء للباحث وتم عرضه عام 2022م، من اخراج نهال أحمد وتم عرضه على الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب

  • صور من العرض المسرحي

شكل رقم (12) صور متنوعة من العرض المسرحي دم السواقي مع الملصق الإعلاني للعرض

 

  • خاتمة البحث

 ان عرض دم السواقي يعد تجربة نوعية في توظيف الفضاء المفتوح كوسيط مسرحي قادر على إعادة تشكيل العلاقة بين العرض والجمهور. فقد تجاوزت هذه العلاقة حدود المشاهدة التقليدية، لتصبح تجربة تفاعلية حيّة، يجلس خلالها الجمهور بين المشاهد، ويشارك في تشكيل الصورة المسرحية وفقًا لموقعه داخل الحديقة، مما أضفى على العمل طابعًا حياً يتجاوز جمود المسرح المغلق. " ويعد المسرح الاحتفالي التراثي مؤسسة شعبية يشارك فيها الجمهور بوصفه جزءًا من عملية الإنتاج الفني، لا مجرد متلقٍ. فهو مسرح مفتوح يرفض الحواجز التقليدية، حيث تُنفذ عناصر العرض وتُرتدى الأدوار أمام الجمهور وبمشاركته. لا وجود للكواليس، فالاندماج يحدث في العلن، والزمن فيه دائريّ الطابع، يعيد تشكيل اللحظة باستمرار. كما يُمنح الممثل حرية الارتجال والخروج عن النص، مما يُشعر الجمهور بأنه يعيش احتفالًا حياً لا عرضًا مكتملًا مسبقاً " ([11])

وقد أتاح هذا الشكل من التفاعل إعادة إحياء الموروث الشعبي في إطار بصري معاصر، حيث استُحضرت رموز مثل الساقية لتكون محورًا بصريًا وثقافيًا يربط بين المكان والحدث، في حين جاءت الملابس والديكورات مستمدة من عمارة البيئة الريفية وصعيد مصر، لتعكس هوية العرض وتُثري البنية الجمالية للمشهد المسرحي.

كما أسهمت بعض عناصر التراث الشعبي من عربة النيشان ولعبة مدفع القوة في إضفاء طابع شعبي تراثي لتلك الألعاب التي ارتبطت بالموروث الشعبي المصري لتجعل الصورة نابضة بحياة تراثية شعبية، ومن خلال هذا التداخل بين الطبيعة والموروث والفضاء، منح العرض جمهوره تجربة مسرحية بصرية وثقافية متكاملة.

وعليه، تؤكد هذه التجربة على أهمية استثمار الفضاءات المفتوحة كمجال إبداعي بديل، قادر على خلق تفاعل مباشر مع المتلقي، وتقديم خطاب مسرحي معاصر يحمل في طياته ملامح الهوية الثقافية، ويعيد وصل الإنسان بجذوره في سياق جمالي وإنساني معاصر.

 

  • النتائج والتوصيات

أولاً: النتائج

  1. أظهر عرض دم السواقي فاعلية توظيف الفضاء المفتوح، بما يتيحه من حرية بصرية وتفاعل مباشر مع الجمهور، بعيدًا عن قيود المسرح التقليدي. كما أن الدراما في المسارح المفتوحة لا تحتاج إلى إنتاج ضخم، بل تعتمد على الرمزية والتكامل الطبيعة المحيطة.
  2. استخدام المفردات الرمزية والتراثية (مثل الساقية، الأزياء التقليدية، الخلفيات الشعبية) تساهم في ترسيخ هوية العرض المسرحي وزيادة التفاعل المسرحي التفاعلي.
  3. أوضحت التجربة أن المسارح والفضاءات المفتوحة في الوطن العربي مليئة بمفردات تراثية بصرية متنوعة مثال الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب والتي تعطي المصممين الحريقة غير المقيدة في توظيفها في عروض المسرح المفتوح والتراثي بشكل خاص.

ثانياً: التوصيات

  1. مزيد من زيادة التوعية بثقافة المسرح المفتوح عبر المهرجانات والعروض التراثية التفاعلية التي تعرض علي الفضاءات المفتوحة والطبيعية.
  2. دعم توظيف التراث المحلي كأداة بصرية سينوجرافية تعكس هوية المجتمع المصري
  3. تشجيع المصممين والمخرجين على استكشاف أشكال الفراغ غير التقليدية، وتطويع جغرافية المكان في بناء المشهد المسرحي.
  4. دعم التقنيات الضوئية والصوتية لبنية الفضاءات المفتوحة لإعطاء نتائج بصرية وصوتية ممتعة في تلك التجربة نظراً لخلو تلك الفضاءات تقريبا من تلك التقنيات.

 

(*) ويطلق مصطلح الشعبي على الفن الذي يخاطب الفئات والشرائح الشعبية من المجتمع، وعلى ذلك يكون المسرح الشعبي هو ذاك المسرح الموجه إلى الشعب عامته، أو ذاك المسرح المنبعث من الشعب والعائد إليه، ويتناول القصص والسيرة الشعبية التراثية للمجتمع.    أحمد الماجد/ جريدة مسرحنا/ دورية شهرية مصرية متخصصة في المسرح تصدر عن الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية/ وزارة الثقافة/ مصر العدد 622 صدر بتاريخ 29يوليو2019

(*) المنهج التطبيقي يهدف إلى حل كافة المشاكل التي ترتبط بالظاهرة المدروسة. كما يساعد على إيجاد حلول المشاكل الميدانية التي تواجه الباحث أثناء قيامه بالبحث العلمي. بالإضافة إلى ذلك فإن لهذا المنهج دورا كبيرا في تطوير الأساليب المتبعة في العلمية الإنتاجية.

https://www.bts-academy.com/blog_det

([1]) قارن، نهاد صليحه، المدارس المسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٤ ، ص 5

([2] ) Peter Brook, The empty space, Atheneum, New York, 1984, P;11

([3] ) Richard Schechner, Performance studies, Routledge, Londoitn and New York, 2002 p;4

([4] (Sheldon Cheney, The Open-Air Theatre, Mitchell Kennerley. New York.1918, P :113

(5 ) فاروق خورشيد ،« الموروث الشعبي » دار الشروق، بيروت، الطبعة الأولي 1992م، ص 12

(*) https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4510007/13-12-2024

(*) تُعد جائزة آغا خان للعمارة، التي أُسست عام 1977 بجنيف على يد آغا خان الرابع، جائزة معمارية تهدف إلى تكريم المشاريع التي تلبي احتياجات المجتمعات الإسلامية في مجالات التصميم المعاصر والإسكان الاجتماعي والتنمية والترميم والحفاظ البيئي. تُمنح الجائزة كل ثلاث سنوات لمشاريع متعددة بقيمة إجمالية تبلغ مليون دولار أمريكي، وتشرف عليها مؤسسة الآغا خان للثقافة وشبكة الآغا خان للتنمية.                                                                    جائزة-أغا-خان-للعمارةhttps://ar.wikipedia.org/wiki/

(**) https://hsnfthy.wordpress.com/2014/07/11/الحديقة-الثقافية-للأطفال

(*) بكري عبد الحميد: شاعر وكاتب مسرحي ومؤلف مصري من مواليد الأقصر عام ,1973 له حوالي ١٦ عملا شعريا ومسرحيا وروائيا منهم:- دم السواقي، حواري الطيبين، الهلالي، وغيرها، حصل على العديد من الجوائز منها جائزة محمد تيمور للإبداع المسرحي وجائزة من المهرجان القومي للمسرح المصري.                                    https://www.vetogate.com/4955933

([6]) أحمد هاشم، مقال بعنوان (بكري عبد الحميد. الفائز في القومي), جريدة مسرحنا، العدد 762,الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة، العدد صدر في 4أبريل2022.  https://www.gocp.gov.eg/masr7na/articles.aspx?ArticleID=54582           

([7] ) فابريتزيو كروتشاني، فضاء المسرح، ترجمة: أماني فوزي حبشي، مطابع المجلس الأعلى للآثار، القاهرة،1999،.ص12

([8] ) صلاح القصب، مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الدوحة, قطر 2003, ص 44

([9] ) سها عبد الفتاح، التراث الشعبي المصري (دراسة في الجوانب الاجتماعية والثقافية)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة, 2010م, ص 147

([10] ) سعد الخادم، تاريخ الأزياء الشعبية في مصر، المركز القومي للمسرح،القاهرة، 2006م، ص47

([11]) سيد علي إسماعيل، أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر مؤسسة هنداوي للنشر الالكتروني المملكة المتحدة, 2018م  ص 34

  1. المراجع
  2. أولاً:- المراجع العربية

    1. سعد الخادم، تاريخ الأزياء الشعبية في مصر، المركز القومي للمسرح،القاهرة، 2006م، ص47
    2. سها عبد الفتاح، التراث الشعبي المصري (دراسة في الجوانب الاجتماعية والثقافية)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة, 2010م
    3. سيد علي إسماعيل، أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر مؤسسة هنداوي للنشر الالكتروني المملكة المتحدة, 2018م
    4. صلاح القصب، مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الدوحة, قطر 2003م
    5. فاروق خورشيد ،« الموروث الشعبي » دار الشروق، بيروت، الطبعة الأولي 1992م
    6. نهاد صليحه، المدارس المسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٤

     

    ثانيا:- المراجع المترجمة للعربية

    1. فابريتزيو كروتشاني، فضاء المسرح، ترجمة: أماني فوزي حبشي، مطابع المجلس الأعلى للآثار، القاهرة،1999

     

    ثالثاً:- الدوريات العربية

    1. أحمد الماجد، جريدة مسرحنا، الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية، وزارة الثقافة، مصر العدد 622، صدر في 29يوليو، 2019م
    2. أحمد هاشم، جريدة مسرحنا، الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة، مصر، العدد 762، صدر في ابريل، 2022م

     

    رابعاً:- المراجع الأجنبية

    1. Peter Brook, The empty space, Atheneum, New York, 1984
    2. Richard Schechner, Performance studies, Routledge, Londoitn and New York, 2002
    3. Sheldon Cheney, The Open-Air Theatre, Mitchell Kennerley. New York.1918

     

    خامساً:- شبكة المعلومات الدولية

    1. https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4510007/13-12-2024
    2. https://ar.wikipedia.org/wiki/جائزة-اغا-خان-للعمارة
    3. https://hsnfthy.wordpress.com/2014/07/11/الحديقة-الثقافية-للأطفال
    4. https://www.bts-academy.com/blog_det
    5. https://www.gocp.gov.eg/masr7na/articles.aspx?ArticleID=54582
    6. https://www.vetogate.com/4955933