Document Type : Review papers
Author
Alsun Bani Sueif
Abstract
Keywords
Main Subjects
بعدما طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في أكتوبر ونوفمبر ٢٠١٣،نٌشر كتاب "حول الحكم والإدارة" المجلد الأول للزعيم الصيني عام ٢٠١٤،ثم نٌشر المجلد الثاني في عام 2018،وتوالى نشر المجلدين الثالث والرابع عامي 2020 و 2022.
ثم تواترت الترجمات الأجنبية لهذا الكتاب ومجلداته الأربعة،بين الإنجليزية والفرنسية والعربية والروسية والإسبانية والبرتغالية والألمانية واليابانية،وقد تردد في عقلي كباحثة ومتخصصة في الشؤون الصينية سؤالاً ملحاً، لماذا تهتم الصين أن يطلع القراء الأجانب على هذا الكتاب؟
بعد قيادة تقليدية من "جيانغ تسه مينغ" في تسعينيات القرن الماضي، ومع بداية الألفية الثالثة خلفه قائد ذو قلب حنون "خو جين تاو" والذى عٌرف بالزعيم الأم،في إشارة إلى تعامله الرقيق مع الشعب مثل الأم الرءوم، وصل شي جين بينغ لسٌدة الحكم في الجمهورية الصينية التى ثابرت على سياسيتها وأدبياتها في مواجهة الكثير من التحديات الداخلية والخارجية.
فمنذ عصر "دنغ شياو بينغ" مهندس الإقتصاد الصيني في مرحلة الإصلاح والإنفتاح الإقتصادي بعد نهاية الثورة الثقافية عام 1978،سار الرئيسان "جيانغ" و"خو" على خطي الثعلب "دنغ"، بمعنى أن دورهما اقتصر على استكمال تنفيذ خططه الإقتصادية وسياساته الإصلاحية،ولكنهما لم يخرجا علينا بأفكار جديدة أو خطط مبتكرة.ثم ظهر الرئيس شي على الساحة السياسية، وطرح مبادرات إستراتيجية وتنموية،وأسس لمنتديات تعاون قارية ودولية،ووضع سياسات لم يسمع بها الشعب الصيني من قبل،والذى انتج بدوره العديد من "المصطلحات والتعبيرات الجديدة"التى كانت محل دراسات وأبحاث المهتمين بالشأن الصيني والمتخصصين في دراسة اللغة الصينية من الأجانب.
قدم كتاب "حول الحكم والإدارة"ثلاثة محاور هامة،الأول:تحليل واقع الدولة الصينية التي أصبحت محط أنظار العالم ، حيث سلط الكتاب الضوء على النظريات الهامة والقضايا الواقعية لتنمية الصين في الألفية الثالثة،كما فتح نافذة للمجتمع الدولي لتعزيز معرفته وفهمه للمفهوم الصيني للتنمية وسياسات الصين الداخلية والخارجية. المحور الثاني، يدور حول شخصية مؤلف الكتاب،ألا وهو الرئيس شي جين بينغ،إذ تركت أقواله وأفعاله إنطباعاً عميقاً على الصعيد السياسي والإقتصادي والإستراتيجي. فالكتاب يضم الكثير من خطابات الرئيس حول حوكمة الدولة وإدارة شؤونها،عرض فيها الكثير من النظريات والإستنتاجات الجديدة، وقدم إجابات وافية عن واقع تطور الدولة الصينية عبر الظروف التاريخية الجديدة. وبالتالي فإن قراءة هذا الكتاب تساعد على فهم أفكار الرئيس شي حول قيادة الصين واستراتيجيتها بصورة تفصيلية من خلال خطاباته وكلماته التى ألقاها في العديد من المحافل الدولية الرسمية.وأخيرًا المحور الثالث، فيتمثل في تنوع المفاهيم التي يحتوي عليها الكتاب، فهو يضم العديد من المفاهيم المتقدمة حول حكم الصين وشؤونها في العقدين الأخيرين، لاسيما أن تأثيرات هذا المفاهيم لا يقتصر على الخطط التنموية الصينية فحسب، وإنما تمتد أيضا إلى التنمية في دول العالم الأخرى.
تفاوتت فصول المجلدات الأربعة لهذا الكتاب بين ثمانية عشر إلى أحد وعشرين فصلًا.ومع القراءة المتفحصة لعناوين فصول الكتاب،نبحر بين ما تضمنه من أفكار ومفاهيم ثرية، لنستنتج أن ثمة ركيزتين رئيسيتين يركز عليهما الرئيس شي في سبيل تحقيق ليس فقط "الحلم الصيني"، وإنما أيضا تحقيق الرفاهية والسعادة لدول وشعوب العالم.
إذا بدأنا بالركائز الداخلية،عرض للتمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها.مع التأكيد على أن" هدف إنجاز بناء الصين دولة اشتراكية حديثة وغنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة سيتحقق عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس الصين الجديدة، حيث سيتحقق بتأكيد حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية"(حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول صـ 37). ويؤكد على أن تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية هو الحلم المشترك لأبناء الأمة الصينية داخل الصين وخارجها.
وفي البعد الخاص بالتنمية الاقتصادية، يؤكد شي جين بينغ على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادي في الصين نموا حقيقيا دون فقاعات، ونموا ذا فعالية وجودة واستدامة. ويشدد على ضرورة الانفتاح بشكل أوسع على العالم،كما أكد على إستمرارية عملية الإصلاح والانفتاح عدم توقفها، بقوله: "عملية الإصلاح والانفتاح مستمرة دائما ولن تتوقف، وبدون الإصلاح والانفتاح، لا يوجد حاضر للصين، ولا مستقبل لها." (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الرابع صـ 262)
ويؤكد الرئيس شي على ضرورة بناء دولة قوية ثقافيا، من خلال رفع مستوى الإعلام والثقافة، ويشدد على أنه "توجد مهمة كبيرة لأعمال الإعلام والتوجيه الأيديولوجي في ظل الانفتاح الشامل على الخارج، ألا وهي إرشاد الناس للنظر إلى الصين المعاصرة والعالم الخارجي بنظرة شاملة وموضوعية". ويشير أيضا إلى ضرورة تعزيز القوة الناعمة الثقافية للبلاد، حيث أن "رفع القوة الناعمة الثقافية للبلاد أمر مهم بالنسبة لتحقيق حلم الصين،ونشر القيم الصينية المعاصرة، وإظهار الجاذبية الفريدة للثقافة الصينية".
وفي حديثه عن مفهوم بناء الحضارة الإيكولوجية، ركز الرئيس شي على عدة عناصر، وهي: بيئة أفضل لصين جميلة، المضي قدما نحو عصر جديد للحضارة الإيكولوجية الاشتراكية، ترك سماء زرقاء وأرض خضراء ومياه صافية للأجيال القادمة. ومن الركائز الداخلية الأخرى لتحقيق نهضة الصين وفقا لرؤية الرئيس شي، دفع تحديث الدفاع الوطني وذلك من خلال مواصلة دفع بناء الدفاع الوطني والجيش.
وبالإضافة إلى ما سبق، يؤكد الرئيس شي على ضرورة إثراء سياسة "دولة واحدة ونظامان" ودفع إعادة توحيد الوطن، وتتمثل وسائل تحقيق ذلك من خلال: تأكيده أن مصير هونغ كونغ وماكاو وبرّ الصين الرئيسي مرتبط ارتباطًا وثيقًا.
وبالنسبة للركائز الخارجية لتحقيق النهضة الصينية، بما ينعكس على العالم، طرح الرئيس شي جين بينغ في كتابه حزمة من العناصر الهامة بهذا الصدد. الأول: طرق التنمية السلمية. يقول الرئيس شي جين بينغ: "من الضروري أن نجعل العالم يعرف المزيد عن إستراتيجية الصين حول طرق التنمية السلمية، ونجعل المجتمع الدولي يرى ما شهدته الصين من تطور فيتعامل معها بطريقة صحيحة. لن تسعى الصين لتحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولن تلقي مشكلاتها على الآخرين. سنعمل بثبات على تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسك بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، والمشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي." الثاني: تعزيز بناء نمط جديد للعلاقات بين الدول الكبيرة، من خلال بناء العلاقات جديدة النمط بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بناء جسر للصداقة والتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا. الثالث: تحسين السياسات الدبلوماسية تجاه الدول المجاورة، وذلك من خلال: بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" مع بناء "طريق الحرير البحري" للقرن الحادي والعشرين، التمسك بالمفهوم الدبلوماسي المتمثل في العلاقة الحميمة، والمنفعة، والتسامح تجاه الدول المجاورة. الرابع: تعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وذلك من خلال: الصداقة والشراكة مع القارة السمراء، دفع تشكيل شراكة أقوى بين الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي، تطوير روح طريق الحرير، وتعميق التعاون الصيني- العربي.
وأخيرًا،عندما يتساءل القاصي والداني حول أسرارالتجربة الصينية في هذه البلاد مترامية الأطراف، والأكبر في تعداد السكان،ينبغى أن يتفهمون ما يواجهوه الشعب الصيني وقادته من صعوبات ومسؤوليات.حيث يرى الرئيس الصيني أن القادة"يمشون على جليد رقيق، ويقفون على حافة هاوية عميقة".
.