أثر التغيرات المجتمعية على الصورة المرئية في المسرح المصري المعاصر

Document Type : Original Article

Author

theatre department- faculty of arts- Helwan university

Abstract

This research explores the profound influence of society on theater, particularly within the context of Egyptian theater. Theater acts as a mirror, reflecting the positives and negatives of society, while also serving as a powerful medium for social change through its visual and auditory expression of human thoughts, philosophies, and social issues. The study aims to trace the history of Egyptian theater by analyzing three distinct performances, each addressing significant societal themes. These performances illustrate different theatrical trends, including political, economic, and social theater, and highlight theater's role as an educational tool for societal advancement. The research examines styles ranging from simple plays that depict the life of the average Egyptian, such as "Strangers Do Not Drink Coffee," to more complex performances blending history with imagination, such as "I'm Dreaming, O Egypt," and those rooted in Arab historical heritage, like "There Is No Counting the Tricks Up Your Sleeve." The study underscores the importance of preserving the educational value of theater amidst societal changes to ensure its continued impact on Egyptian society.

Keywords

Main Subjects


مقـــدمة

إن فن المسرح هو مرآة المجتمع التي تكشف عن مقومات وأسس المجتمعات الحضارية، فهو قيمة حضارية أساسية، وله دور هام في تقييم وترسيخ الواقع الحضاري الراهن على مختلف العصور، إذ أن فن المسرح نشأ وتطور في المدينة الحضارية، ويرجع قدم ذلك الدور لآلاف السنين منذ ارتباطه بالميثولوجيا والطقوس الدينية لمختلف المجتمعات القديمة، إلا انه كان، وما زال، يعبر بشكل بصري وسمعي عن التصورات والأسس الفكرية والفلسفية والمشكلات الاجتماعية للإنسان.

أصبح لفن المسرح أكبر الأثر في النفس الإنسانية، وله الفضل في حل المشكلات والقضايا الاجتماعية التي تشكل الهوية الحقيقية للحياة الاجتماعية.

 

مشكلة البحث                                       

أصبح تطور المسرح أمراً جلياً في الحياة الاجتماعية، وللمتغيرات المجتمعية العديد من الآثار على المسرح المصري المعاصر، لذا تكمن مشكلة البحث في كيفية صياغة المعالجة التشكيلية للصورة المرئية وفقاً للتغيرات المجتمعية التي قد تؤثر بالسلب أو بالإيجاب على الصورة المرئية الكاملة؟

 

أهداف البحث

إذ تميز المسرح في أزمنة لاحقة بمعالجة المشكلات الاجتماعية حيث أكدت الكثير من الأعمال المسرحية على رفض المظالم الاجتماعية، ولطالما كان المسرح بمثابة النافذة التي ينظر إليها المتلقي فيرى الواقع بكافة تفاصيله مما يجعل مهمة المصمم أكثر صعوبة فهي التي من شأنها توصيل الفكرة بطريقة ممتعة ومؤثرة، يهدف البحث لعرض تاريخ المسرح المصري وعرض ثلاث أنواع مختلفة لثلاثة عروض يتناول كل عرض نقطة هامة ومؤثرة في المجتمع المصري تحاكى ثلاثة أفكار وهى البساطة ودمج التاريخ مع الخيال والتراث المصري، والتي تحدد هوية المسرح المصري.

 

منهج البحث

تتناول الباحثة المنهج التاريخي في سرد بعض الأعمال المصرية بمرور السنوات والمنهج التحليلي الوصفي في تحليل صور من العروض المختارة للتطبيق.

 

أثر المجتمع على المسرح في مصر

مما لا شك فيه أن المجتمع يؤثر على المسرح بشكل كبير، مما يصنع انعكاساً واضحاً لملامح المجتمع بإيجابياته وسلبياته ويظهر ذلك على خشبة المسرح مما يحفزه بخطاب مؤثر جداً للتغيير، إن المسرح يحتل مرتبة مهمة في المجتمع فيؤثر عليه ويتأثر به، وهو أحد أهم الوسائل الإعلامية التي ترقى بالمتلقي (الجمهور) وتساعد على ترسيخ الهوية الوطنية، كما أنه الساعي دوماً لتوفير حلول لمشكلات المجتمع وخصوصاً ما يندرج تحت التنشئة الاجتماعية، وكذلك يؤثر المجتمع تأثيراً هاماً على المسرح فإن تمزق العلاقات المجتمعية أو توطدها كلاهما يؤثر في الموضوعات المسرحية المقدمة مما يؤثر بدوره على الحركة الفنية السائدة، مما يجعل وظيفة الفنانين أكثر صعوبة أملاً أن تحقق ما تخطط له من الأهداف التربوية أو الأخلاقية أو الأمنية وحتى السياسية من أجل إصلاح الذوق العام وتقويم فكر المتلقي.

 إن للمجتمع تغيرات عديدة تتسبب في عدة تقلبات وتطورات للمسرح الذي يهدف عادةً إلى عدة أهداف تربوية بحيث يساعد كل فرد على معايشة الظروف والأحداث المجتمعية، بل ويساعده أحياناً بتقديم بعض الحلول لها، كما يقوى المشاعر الأخلاقية تجاه الإنسانية، ويغرس العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع فى النفس الإنسانية ويساعد على تطوير الاحكام الاخلاقية، "إذ أن لحياة الإنسان وجهتان مادية وروحية. ومما لا شك فيه أن الوجهة المادية تشغل حيزاً هاماً من تفكيره، فال يمكن أن يهمل مطالبها؛ لتعليقها بتيسير وسال حياته. ولكن للوجهة الروحية مكانها الذي لا غنى عنه؛ إذ منها يستمد وحيه في طموحاته المادية"([1])، لذا فإن فن المسرح عموماً يتأثر بالتغيرات المجتمعية، وإلا لما ظهرت الاتجاهات المسرحية المختلفة وأنواع المسرح المتعددة مثل المسرح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو يعد سلاحاً تربوياً لإنجاز وتحفيز المجتمعات، مما يمكنه من إحداث تغييراً للأفضل في المجتمع.

إن المسرح في العصر الحديث أصبح بمثابة أداة لتحريك الشعوب لتثور ضد الاستعمار أو الظلم مثلما صنع بريخت  Brecht  في مسرحه الذي عرف بالمسرح الملحمي، فقد استعمل الفن المسرحي كوسيلة لإدماج الفرد في المجموعة، إلا أن فكر بريشت يستند أساساً علي اهمية المسرح ودوره في التحولات الاجتماعية ومساهمة المسرح في تحرير الوعي من الافكار المحافظة وتعديل السلوك  العام وتغيير المجتمع وتحديه، وظهر دوره الهام في تغيير المجتمع للأفضل، بالرغم مما كان للتغيرات المجتمعية من أثر وبصمة واضحة على المسرح، مما تطلب وجود تطور مثير داخل مجال التعليم بالتوعية المجتمعية، وتوفير سبل الإسهامات العلاجية النفسية خاصة في مجال العلاج بالدراما، كما كان المسرحي الكبير جروتوفسكي –Grotowski وفي بولندا يقوم بتجاربه في ورشته المسرحية والتي كان يدرب الممثلين بشكل جيد يعتمد على إعادة التفكير في النفس، وكيفية تعاملها مع الأدوار الإنسانية في الواقع، حيث كان منهجه شكل من أنواع التمثيل العلاجي للمشاهد والممثل معا، وغيرهم كثير من المفكرين الذين يبحثون عن أهداف حقيقية تساعد على النهوض بالمجتمع من خلال توظيف فن المسرح كأحد أهم الأدوات الفكرية التي ترسخ الأفكار والمبادئ الإنسانية والأخلاقية.

 

  • أنواع المسرح في المجتمع:-

إن للمسرح أنواع مختلفة، فالمسرح السياسي مهمته تتعلق بكل ما يختص بعمل الحكومات وسياساتها المختلفة الداخلية منها أو الخارجية ومدى أهميتها وتأثيرها على واقع المجتمع، وإن كانت سياسة الحكومات ايجابية وتهدف لخدمة مواطنيها فإن العروض المسرحية ذات العلاقة سيكون هدفها تمجيد الحكومات وتحفيزها على الاستمرار بنفس النسق الذي تقوم به من خلال تأدية مهامها بالصورة الايجابية والهادفة والتي تنصب لمصلحة المجتمع, أما إذا كانت سياسة الحكومات سلبية ولا تهتم بمصلحة المجتمع بقدر اهتمامها بمصالح زعمائها وقادتها فإننا سنشاهد عروضاً مسرحية ساخرة ترتكز على النقد اللاذع والذي سيكون مضمونها ساخطا على تلك السياسات وهدفها التقليل من شأنها وفضحها، ما يعني أنه سيكون للمسرح دور كبير في حشد الجمهور ضد هذه الحكومات على أمل إجبارها على تغييرها سياساتها وتعاملها مع شعبها.

أما المسرح الاجتماعي فإنه سيتناول قضايا المجتمع المرتبطة بحياته الخاصة والعامة وعلاقاته الاجتماعية مع أقرانه ويسلط الضوء عليها من عدة جوانب، بالإضافة إلى تناوله لواقع المجتمع من حيث المعيشة وطبيعة العمل وكيفية تعايش أبناء المجتمع الواحد فيما بينهم, والهدف من هذا النوع من المسرح هو محاولة منه للبحث عن الهوية المصرية والأسباب التي جعلت المجتمع يتعايش مع واقعه على هذا النحو, فإذا كانت الصورة ايجابية سنجد أن للمجتمع دور كبير بدعم المسرح والتحفيز على هذه الصورة المميزة من التعايش المجتمعي، أما إذا كانت الصورة سلبية فعندها سنجد أن المجتمع ملئ بالمشكلات الغير محلولة وهنا المسرح يتخذ دور المصلح الاجتماعي محاولة منه لإعادة المجتمع لطريقة التعايش الايجابية بعد أن يسلط الضوء على الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الصورة السلبية وإيجاد المشاكل وتوفير الحلول المناسبة للقضاء عليها أو التقليل منها، مثل الاتجاه لبعض القضايا المجتمعية مثل مشكلات (العنوسة، الجريمة، البطالة والجوع) أو مشكلات فردية كالرشوة، الإهمال، غياب الضمير والنفاق.

كما أن دور المسرح الاقتصادي يهتم بالأمور الاقتصادية والمادية للمجتمع ودوره هنا لن يكون اقل قيمة من نظيريه السابقين، ما يعني انه سيكون حاضرا بقوة فيما يخص معالجة المشاكل الاقتصادية للمجتمع، مثل التبديد، ضعف الأجور وعروض الأسعار.

وكذلك الحال بالنسبة لمسرح الطفل وهذا الذي سيهتم بالشريحة الأصعب من بين فئات المجتمع المختلفة كونه سيتعامل مع أشخاص لا يملكون رجاحة العقل أو الخبرة مما سيصعب من مهمته إلا أن معظم المشكلات التي تطرح في مسرح الطفل تهدف لإرساء القيم الأخلاقية وتستعمل المسرح كأداة لترسيخ السلوكيات الإيجابية برأس الطفل وترك السلبيات مثل الطمع، الكذب، الأنانية والبخل، " ومن المعروف لدى علماء النفس، والتربويين، وغيرهم من المهتمين بالطفل أن الفن المسرحي من أهم الوسائل التعليمية والتربوية الفعالة التي تؤثر في الطفل، وتجذبه في ذات الوقت، ذلك لأنه يعد فن مركب يحتوى على عناصر فنية عديدة من القصة، والتمثيل والديكور، والملابس والموسيقى والأغاني وغيرها من العناصر التي تجذب الطفل من ناحية، وتنمى قدراته العقلية والوجدانية من ناحية أخرى، فالطفل بطبيعته  أكثر ولاء، وميلاً، وتجاوبًا مع الفن المسرحي، إذ يستثمر المسرح هذا الانجذاب الفطري ويخرج به إلى السلوك العام، والخاص، ويوجهه" ([2])

وهناك العديد من الدراسات والاتجاهات التي تناولت القيم التربوية والتعليمية والنفسية لمسرح الطفل " إذ أن الأطفال في حاجة ماسة لأن يشعرهم الكبار بأن لهم دورًا فعالاً يمكنهم القيام به، لذلك يجب أن ينشأ الأطفال على الوعي بالمشكلات الحياتية، ويجب أن نعلمهم ونعطيهم المعلومة وهذا دورنا نحن الكبار، حتى يستطيعوا أن يجدوا لها حلاً بمشاركتنا، مشاركة فعالة"([3])

لذا فلكل شكل من أنواع المسرح المتعددة مهمة خاصة أو دور مهم يقوم به يختص بقضايا المجتمع ، يتأثر وتؤثر به الظروف المجتمعية والتغيرات المختلفة، تجتمع الأنواع المتعددة للمسرح سوية من اجل أداء المهمة الأساسية التي وجد من اجلها الفن المسرحي والتي من خلالها تحصل على المكانة المرموقة التي يحظى بها عند المجتمع والتي ميزته عن غيره من أنواع الفنون الأخرى، " إذ يطيب للفن أحياناً أن ينطلق من المسائل القومية إلى المسائل الإنسانية، أي الإنسان في أفكاره الثابتة في كل زمان" ([4]) ، حيث أن المسرح وسيلة لدعوة مُثلى نحو الفضائل سعياً إلى حياة أكثر استقراراً وأوفر أمناً بجميع أبعاده. 

 

  • المسرح المصري عبر التاريخ:-

بدأ المسرح المصري مسيرته وكان له دوراً بارزاً في تشكيل الهوية المصرية إذ أقيمت عروض تناقش العديد من القضايا الاجتماعية الهامة والهادفة "مثل المسرحية الاجتماعية (صرخة الطفل١٩٢٣م) التي تتناول مشكلة الزواج في مصر في أواخر العشرينيات، ومسرحية توفيق الحكيم (المرأة الجديدة) التي خرجت إلى الناس عام ١٩٢٣م لتغير المفهوم السائد عن المرأة، وظهرت كذلك في عام ١٩٢٣م أول فرقة مسرحية مصرية –نظامية- ، ثم تم إنشاء معهد الفنون المسرحية، الذي ظهر إلى الوجود عام ١٩٣١م وألغى ثم عاد إلى الوجود عام ١٩٤٤ م باسم العهد العالي لفن التمثيل العربي، مما واكبه حدث إنشاء الفرقة القومية للتمثيل وقدمت الفرقة في موسمها الأول الذي بدأ في أكتوبر١٩٣٦م (أهل الكهف) ، لتوفيق الحكيم ، و(الملك لير) ترجمة مطران، و (تاجر البندقية ) لشكسبير، و ( أندروماك ) لراسين من ترجمة الدكتور طه حسين ثم مسرحية (السيد) لكورني  ترجمة خليل مطران") [5]( وغيرها من الأعمال الهادفة.

قامت ثورة يوليو١٩٥٢م أفرجت عن الطاقات الحبيسة لدى الجماهير والكتاب معاً، لقد جاءت الثورة بمناخ مسرحي ممتاز هو الذي خلق المسرح الناهض، ومن ثم "ظهرت فرقة الريحاني قد كسبت حقها في البقاء بتطوير بضاعتها المسرحية من كوميديا تضحك لوجه الضحك إلى كوميديا اجتماعية انتقادية اشترك في صياغتها كل من نجيب الريحاني وبديع خيري ، مستوحى من النماذج الفرنسية وأفلحا في تمصيرها تمصيراً مقنعاً " ([6]).

 

ظهر الكاتب المسرحي المصري نعمان عاشور "وقد قدمت له فرقة (المسرح الحر) وهي نفسها إحدى الفرق الفنية الجادة التي أطلقت الثورة ما كان مكبوتاً في نفوس أعضائها من الشباب، من تطلعات فنية قدمت مسرحية(المغناطيس ) التي أصبحت علماً على الكوميديا الاجتماعية الانتقادية الخالصة الانتماء إلى مصر وشعب مصر قدمت هذه المسرحية على مسرح الأوبرا في أكتوبر ١٩٥٥م"([7]).

وسرعان ما تلتها أعمال نعمان عاشور الأخرى "(الناس اللي تحت) قدمتها الفرقة نفسها (المسرح الحر) في أغسطس١٩٥٦م و (الناس اللي فوق ١٩٥٧م- ١٩٥٨م ) قدمتها فرقة (المسرح القومي) التي قدمت منذ ذلك التاريخ سائر مسرحيات نعمان عاشور(سيما أونطة ١٩٥٨م-١٩٥٩م) ومسرحية(عيلة الدوغري ١٩٦٢م- ١٩٦٣م) "([8]).

ظهر إلى جوار نعمان عاشور كتاب آخر وهو يوسف إدريس الذي " قدم له المسرح القومي مسرحيات من فصل واحد هما (جمهورية فرحات ، ملك القطن ) وذلك في موسم ١٩٥٦م–١٩٥٧م؛ جاء من بعده ألفريد فرج الذي قدم له المسرح القومي مسرحيته الأولى(سقوط فرعون ١٩٥٧م- ١٩٥٨م) التي أثارت جدلاً كبيراً، ثم ظهر لطفي الخولي كاتباً مسرحياً وقدم له على المسرح القومي  مسرحية (قهوة الملوك ١٩٥٨م- ١٩٥٩م) ، وقدم سعدالدين وهبه مسرحيته الأولى (المحروسة ١٩٦١م -١٩٦٢م) على المسرح القومي ليظهر الكاتب المسرحي ميخائيل رومان الذي قدم باكورة أعماله للمسرح (الدخان ١٩٦٢م- ١٩٦٣م)" ([9]).

 

ظهر عدد كبير من المؤلفين المسرحين في فترة ما بعد نكسة ١٩٦٧م "مثل رشاد رشدي في(بلدي يا بلدي) وسعد الله ونوس في (مغامرة رأس المملوك جابر) وسعد الدين وهبة في (يا سلام سلم.. الحيطة بتتكلم وممدوح عدوان في (كيف تركت السيف)، وعلى سالم في( أنت اللي قتلت الوحش)،  ومحمد الماغوط في (المهرج )،  ومحمود دياب في ( باب الفتوح ) ، إلا أنهم مازالوا يبحثون عن ثورة حقيقية في ظل عدم إدراك حقيقة الواقع الاجتماعي والسياسي المحيط بهم، وعدم قدرتهم على معالجته، وغيرهم كثير من المؤلفين مثل ميخائيل رومان، صلاح عبد الصبور، ونجيب سرور، يسرى الجندي، محفوظ عبد الرحمن وأبو العلا السلاموني، وغيرهم "([10]).

الحقيقة هي أن هناك العديد من العروض المصرية التي واكبت شتى سبل التغيير في المجتمع المصري منذ سنوات مثل مسرحية (الناس اللي تحت)،(وبحلم يا مصر) للكاتب نعمان عاشور ومسرحية (المتزوجون) للكاتب فيصل ندا، ومسرحية (الهمجي) للكاتب لينين الرملي، ومسرحية ( لعبة الست) تأليف نجيب الريحاني وحتى الروايات التي تحولت لمسرحيات مثل (زقاق المدق)، ومسرحيات أخرى مثل (ليالي الحصاد)،(الغرباء لا يشربون القهوة) للكاتب محمود دياب ومسرحية (الفرافير) للكاتب يوسف إدريس، وغيرهم من الأعمال المعاصرة مثل مسرحية (يا ما في الجراب يا حاوى) المأخوذة عن رائعة بيرم التونسي (ألف ليلة وليلة)، وغيرهم من الأعمال التي رصدت واقع المجتمع المصرى على مدار السنين بكافة تطوراته المجتمعية ،الأخلاقية، الفكرية والسياسية والتي مازالت تبهر المتلقي إلى الآن.

 

المعالجة التشكيلية للصورة المرئية ورصد تغيرات الواقع المجتمعي

إن لغة الصورة المرئية هي بطل العمل المسرحي وهي تنقسم في ذاتها إلى العديد من المقومات والعناصر الهامة والتي تختلف أهمية كل منها طبقاً للمساحة المحددة لها، ومن هذه العناصر السينوجرافيا بما تشمله من المناظر والأزياء والموسيقى التصويرية والإضاءة المسرحية والنص والممثل وغيرها، "إذ تتضافر كل هذه العناصر السمعية والبصرية، وتوضح التكامل الحقيقي بين التقنيات الخاصة بالمسرح وتقنيات ما هو مسموع ومرئي"([11]). ويأتي دور منسق كل هذه العناصر وقائد هذا العمل المسرحي وهو المخرج بالإضافة لفريق العمل بالعرض المسرحي مثل الممثل، مصمم المناظر والأزياء، مصمم الإضاءة، مؤلف النص، مؤلف الموسيقى وغيرهم من العاملين على العمل المسرحي.

 

يعتمد المخرج في تشكيل الصورة المرئية على الرؤية الإخراجية الخاصة بالاتجاه الفني الذى ينتهجه بالتنسيق مع مصمم السينوجرافيا، لمعادلة الرؤية الفنية مع الرؤية التشكيلية والى لها دور هام في التأثير على نوعية وخصوصية العرض، " إذ أن الشكل هو تعبير عن الصورة الذهنية وان الصورة هي اساس الشكل الذي يخلق من المادة اجساما مختلفة " ([12])، لذا فهي تترجم التعابير والإيحاءات النفسية والفكرية لدى المخرج لعناصر تشكيلية بصرية تعتمد على منهج تشكيلي فلسفي معين مثل استخدام المصمم للرموز السيمائية، والعناصر العينية المجردة مثل العين والكتاب وكرسي العرش وغيرها من العناصر المباشرة للأحداث الدرامية أو مثل الأيقونات الشخصية كاستخدام تمثال الحرية أو صورة شخصية، وكذلك مفردات الأماكن الجلية مثل السجن والحديقة والسوق من قضبان وشجرات ودور أسواق ودكاكين وغيرها.

 

أثر التغيرات المجتمعية على المعالجة التشكيلية للصورة المرئية

إن للصورة المرئية دور هام في ترسيخ الواقع المجتمعي، إذ أن معظم الموضوعات الدرامية تتحقق في الحياة الحقيقية بصورة أو بأخرى وهى بذلك ترتكز على بنية تحتية تتلخص في الوقت الراهن، مما يسهل عملية التلخيص والإشارة والتحقيق، لارتباطها الحتمي بالمجتمع وبأسلوب المعيشة، لذا ارتكزت العديد من العروض المسرحية المعاصرة على الوتيرة الحياتية المعايشة للمجتمع المصري، سواء بالنقد، التحفيز والتحذير، بالإضافة لكافة التغيرات المجتمعية التي أثرت في النصوص المقدمة والعروض المطروحة للتنفيذ ، إلا أن هذه العروض لم تقتصر على تقديم النصح والتوجيه على مدار السنين العديدة الماضية، بل كان لها دور في مناقشة أهم القضايا الحياتية المصرية والتركيز على المتغيرات في الوقت الراهن آنذاك مثل الفقر والاستعمار والتعليم وإلى الثورة والترابط المجتمعي الآن.

 

مما لا شك فيه أن ملاحظة المتلقي من الجمهور لا تشبه ملاحظة المفكر أو المبدع أو المتخصص، لذا كان ولابد تقريب المعنى دون اللجوء للتعبير المباشر بهذه العروض المسرحية المصرية التي تعد فخراً للمواطن المصري بحق؛ فقد تميزت العديد من العروض المصرية بالنضج والإبداع في خلق تواصل حقيقي بين المتلقي والفكرة الجوهرية للعرض، مما أدى إلى تغيير حقيقي في المجتمع المصري.

 

إن المعالجة التشكيلية للصورة المرئية تتطلب دراية كاملة بالواقع المجتمعي وبكل المتغيرات التي أثرت على الفن المسرح بل وتوجب استدعاء أخصائيين اجتماعيين في تقريب الفكرة ودراسة العناصر التشكيلية وأثرها على نفس المتلقي وتوجيهها نحو الطريق الصحيح دون التعثر في إسهابات فوضوية وغير منهجية، مما قد يؤثر على العرض المسرحي بالسلب دون مراعاة الملامح الفضلى للقيمة الفكرية المستفادة من العرض، لذا أصبح ظهور الدراسات التعاونية بين شتى تخصصات المجتمع أمراً هاماً توصل العالم فيما بعد بتسميته بحوث ودراسات في التنمية البشرية.

 

تتماثل العلاقات التشكيلية في الصورة المرئية للعلاقات المفترضة في الدراما المسرحية للعرض، وتتناقض الخطوط وتتنافر ما إذا كان هناك توتر في العلاقات المتواجدة بين الأدوار الدرامية لشخوص المسرحية مثل الرئيس والمرؤوس، الإخوة والأصدقاء.. وهكذا؛ إذ "أن الخطوط لا تكون واضحة في الطبيعة بنفس الطريقة التي نراها في التكوينات المسرحية"([13])، مما يستدعى ما يسمى بالترجمة التشكيلية أو المعالجة التشكيلية، بل ولابد أن تؤثر الخطوط والعناصر التشكيلية على العلاقات الأكثر شمولاً مثل الشعب والوطن، الوطن العربي والعالم الغربي، وحتى القضايا السياسية المتعلقة بحريات الدول واستقلالها وإنسانيتها مثل دولة فلسطين وغيرها من القضايا الأكبر والأعم.

تغيرت الصورة المرئية في كل عمل بما يناسب موضوع وتوقيت العرض، بل وأصبحت المعالجة التشكيلية للعمل لها الأثر الأكبر في ترسيخ فكرة العرض وتأكيدها، وإن تعددت مفردات الصورة المسرحية، حيث يقع على عاتق المصمم مهمة وضع الخطوط الأولية للصورة حسب الرؤية الإخراجية لمخرج العرض.

يتطلب من هنا وضع أسس للمعالجة التشكيلية بحيث يمكنها تقريب الفكرة الدرامية إلى ذهن المتلقي وذلك بمعادلتها بالصورة المرئية بصفتها صورة بصرية واضحة تشمل كافة العناصر البصرية التي تخاطب عين المتلقي قبل إدراكه بالعقل وربط التفاصيل الصغيرة ببعضها البعض حتى يتوصل للفكرة النهائية والقيمة الفكرية المستفادة من متابعة العرض والهدف منه.

 فإن هذه القضايا وإن لم تُقَدِم الموضوع بنفس فكرته الدرامية التي قدمتها المسرحية الأصلية المكتوبة، فهي تهدف إلى نقد الوضع الراهن فى محاولة إرسال رسائل تحذيرية من الاستمرار في الرضخ لوضع ما، وكل هذه الرسائل قد تكون أهدافها أخلاقية أو فكرية أو حتى موجهة، بعكس ما إذا أثرت هذه المتغيرات في المسرح بالسلب ونقلت الواقع بدون نصح أو إرشاد بهدف نقل الواقع دون تصحيح مما يؤدى إلى تدهور المسرح وفقده لهويته الأساسية وهي التطهير.

 

التطبيق على عروض مسرحية مصرية معاصرة:

  • مسرحية (الغرباء لا يشرون القهوة)

يظهر في عرض (الغرباء لا يشربون القهوة) للكاتب محمود دياب، وإخراج حمدي أبو العلا، تمثيل محمد متولي وأحمد الشريف، تصميم الديكور والأزياء للمصمم صبحي عبد الجواد وذلك على خشبة مسرح الغد بالقاهرة عام 2014 م؛ حيث تدور أحداث العرض في إطار من الكوميديا السوداء حول رجل في مواجهة مجموعة من الغرباء يحلون ضيوفا على بيته، ويسعون للاستيلاء على البيت وعلى هويته الشخصية وعدد من متعلقاته، لكنه يصر على عدم التنازل عن حقه وعدم الاستسلام للغرباء، في إسقاط على معاناة الشعب الفلسطيني من ممارسات العدو الصهيوني.

 

 جاء العرض بلغة الإشارات والدلالات السيمائية والتي كان لها دور هام من حيث استخدام الخامات والمفردات المناسبة لفكرة العرض ولمدلولاته السيمائية، إذ يلاحظ أن المصمم استخدام خامة الخشب في تشكيل مفردات المنظر للمنزل البسيط المهدم ويظهر بشكل(1)، الذى بالكاد يصمد وسط اعتداءات العدو المتلاحقة ولكن حجم كتلة المنزل يدل على ثبات العزم والنضال أمام رياح الظلم، وحتى في الشجرة الضخمة التي لها دلالة رمزية للمكان وهو الوطن التي تغدو أساس الفكرة الدرامية وهى اعتداءات الاحتلال ومحاولة نهب الأوطان وتظهر في شكل(3)، وحتى وجود النوافذ مغلقة عدا واحدة تبدو مكسورة قد يدل على أن أساليب النفاذ للسيطرة على الوطن ضئيلة، خاصةَ أن المشهد يبدأ بالنافذة مغلقة ثم يكسرها العدو في محاولة لاقتحام المنزل، وتظهر في شكل(4) ثلاث صور للعرض توضح تسلسل التغيير الحدثي من خلال تحريك بعض المفردات البسيطة بالمنظر المسرحي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • مسرحية وبحلم يا مصر

مسرحية (وبحلم يا مصر)، تأليف نعمان عاشور، على المسرح القومي 2015م، إخراج عصام السيد تصميم الديكور المهندس محمود حجاج وموسيقى أحمد فرحات، أشعار حمدي عيد، ملابس نعيمة العجمي عرض (وبحلم يا مصر)، بطولة: علي الحجار، مروه ناجي، يوسف إسماعيل، مادة فيلمية عمرو عبد السميع، واستعراضات مناضل عنتر.

 

جاء عرض وبحلم يا مصر كعرض سيرة ذاتية للشيخ رفاعة الطهطاوى، والعرض يدمج بين نصين أحدهما روائي والآخر استعراضي يتتبع العرض مسيرة الشيخ وهو أحد رواد التنوير في (مصر) على مدار خمسة عقود بدءًا من انضمامه كشيخ أزهري شاب واعظًا للبعثات التي أرسلها (محمد علي) للدراسة في (فرنسا)، إلى انضمامه لها طالبًا ومترجمًا، ودوره بعد عودته في إنشاء مدرسة الألسن للترجمة، وموقفه الإيجابي من المرأة، وجهوده نحو تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، ومطالبته بتعليم النساء وحقهن في العمل، مرورًا بعلاقته بزوجته، ودوره في ترجمة العديد من الكتب من أهمها الدستور الفرنسي، ومعاناته وتقلب أحواله مع تغير رؤى الحكام، ونفيه إلى (السودان)، والصراعات التي خاضها بسبب انحيازه للحرية والعدل وحقوق المرأة ومناداته بالحق في التعليم.

 

تعرض المصمم في هذا العرض لفكرة تعدد المناظر وذلك لغنى العرض بالأحداث المختلفة والتي تلزمه باستعراض أماكن وأزمنة متعددة يتعرض فيها لمشاهد داخلية وخارجية، كما أن موضوع العرض نفسه تاريخي يرتبط ارتباط شديد بتفاصيل تاريخية دقيقة تتطلب دقة وحذر في رصدها وتقديمها بشكل روائي استعراضي، لذا كان ولابد من الاستعانة بالدارسين والمتخصصين في التاريخ المصري ورصد الفترات المعمارية في مصر وفى فرنسا بذلك الوقت، كما يتطلب رصد للتغيرات المجتمعية وللفئات المختلفة بالمجتمع، وكيفية التعبير والرمز إليها كما يظهر بشكل(4).

 

 

 

 

 

 

 

شكل(4) يوضح التشكيل الثابت بالمستويات والذى يرمز للفئات الطبقية بالمجتمع.

 

يوضح العرض الدور الهام للمتغيرات المجتمعية في التأثير على العرض المسرحي، مما يصعب التعامل مع أصغر وأكبر التفاصيل الخاصة بالعرض، إذ أن العرض يقام على المسرح القومي الكبير، فيقوم المصمم بقسم المسرح لنصفين بشكل عرضي، حيث يشيد مجموعة من المستويات التي تخدم فكرة العرض وفكرة وجود السلطة بالأعلى والشعب بالأسفل وهذا الفصل الحتمي بين الطبقتين في هذا الوقت، إلا أنه يستخدم المستويات في معظم المشاهد الغير متعلقة بالسلطة سواء بالتشكيل بمفردات المنظر أو بالممثلين ذاتهم، بحيث يحافظ دائما أن المستوى الأرضي لمن هم أقل في المستوى الاجتماعي أو أفقر على المستوى المادي، يعتبر التشكيل بالمستويات في العرض رمزاً يمثل فيه المستويات العليا للسلطة وهو أعلى مستوى ثم يتشعب منه بشكل شعاعى مستويات أقل وأقل حتى تلتحم المستويات بالأرضية وهذا التشكيل يشبه التشعب الطبقى الحقيقى لفئات المجتمع، كما أن يرمز لفكرة الإلتفاف حول القدوة أو القائد أو الحاكم وهذه المعالجة مناسبة تماماً لموضوع العرض، ينقسم مشهد القرية لشقين الأول إستعراضى تقديمى للشيخ والثانى وقد ظهر بالخلفية أسوار ومعمار المدينة التى ينتقل إليها الشيخ من أجل إتمام مسيرته الفضلى، ويظهر بشكل(5).

 

شكل(5) يوضح الشكل منظر القرية وتجمع القرويون حول المرأة بالمنتصف.

 

يتغير المنظر لقصر الملك محمد على ويتوسط المنظر رمز ضخم يرمز للحكم الملكي في ذلك الوقت، بينما يعادل المصمم الثوابت الملكية والأحكام الثابتة والقاطعة بالشرائط الطولية خلف الرمز والستائر المستقيمة على جانبي المنظر بينما يصبح الرمز الملكي هو بطل المنظر، كما يلاحظ أن الملك يصعد المستويات لأعلى حتى يصل لقمة المستوى الدائري مما يؤكد على المعنى الطبقي الذى أشرنا له في السابق والذى اعتمد عليه المصمم لتوضيح الفروق المادية والاجتماعية بالمجتمع في ذلك الوقت وهو ما يعد محاكاة للواقع المجتمعي الراهن في ذلك الوقت ناهيك على أنه قد يكون إسقاط سياسي كذلك للحكم الملكي والسلطة في تلك الفترة، ويظهر بشكل(6).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل(6) يوضح التشكيل الثابت بالمستويات في جميع المناظر كما يوضح الاختلاف في تغيير المنظر من القرية إلى بوابات المدينة ومنها إلى قصر محمد على.

 

ينتقل الحدث إلى فرنسا ورحلة الشيخ إليها لنشر علمه ويظهر في شكل(7) توظيف المصمم للمفردات بالصورة المرئية، بحيث اختار جزء من برج إيفل الشهير والذى يعد من أهم معالم فرنسا وقام بتوظيفه بشكل قوس حول المنظر ويتوسط المستوى الدائري شخصية الشيخ رفاعة الطهطاوي لأنه من ينشر العلم هناك فهو أعلى قدراً في هذه اللحظة، وفى الخلفية قام بعمل إسقاط ضوئي على الخلفية بصور من باريس والمعمار الفرنسي الضخم والمميز ومنه ينتقل للقصر الفرنسي ويؤكد المصمم على الأبهة والفخامة لهذا المكان ويرمز للمكان بقوسين على جانبي المنظر وتشكيل منفذ للقصر بالخلفية واستعان بالستائر الحرة والخفيفة ليظهر مدى لين ومرونة الفكر الفرنسي ورقة الطراز المعماري وإن كان غنياً بالتفاصيل كما يعرف فن الركوكوه الذى نشأ في فرنسا ويظهر بشكل(8).

 

 

 

 

 

 

 

شكل(7) يوضح مشهد خارجي لحظة وصول الشيخ لفرنسا والثاني داخل القصر الفرنسي ويظهر الفارق الاجتماعي والمادي بين المجتمع المصري والمجتمع الفرنسي.

 

 

 

 

 

 

 

شكل(8) يوضح المشهد داخلى للقصر وفيه تظهر الأقواس االذهبية رمزاً للبوابات الضخمة للقصر مع الستائر والأثاث.

 

كما جاءت الأزياء مستلهمة من التاريخ المصرى لهذه الفترة الزمنية كما تظهر بشكل (9) بعض النماذج من أزياء العرض للشيخ رفاعة الطهطاوى وزوجته وللملك محمد على ووزيره.

شكل (9) يوضح ثلاث صور لنماذج أزياء الشيخ وزوجته والملك ووزيره.

 

مما سبق يستخلص أن لبعض الدراسات البينية بين كافة العلوم الإنسانية دور هام فى التأثير على الصورة التشكيلية للعرض المسرحى المصرى مما يؤثر بدوره على نفس وكيان وفكر المتلقى الذى هو أحد أفراد المجتمع سواء بالسلب أو بالإيجاب مما يجعل هذه المهمة شديدة الخطورة بحيث قد لا تقدم الهدف والقيمة الفكرية المرجوة من هذا العرض إن لم يتم تقديمه بصورة صحيحة وكيفية دقيقة، ولا يجب على المصمم الإقتصار على المعلومات والأفكار الإنسانية والحياتية وحتى العلمية الخاصة به فقط، بل عليه أن يستفيد من المتخصصين فى بعض المجالات التى قد تمس العرض بصورة أو بأخرى مستدعياً فى ذهنه أنه يقدم أخطر الأفكار والصور المرئية التى لابد وأن تكون هادفة وصحيحة فقد تبنى أوطان وتهدم أخرى، وتأمل الباحثة أن تكون إستوفت الفكرة العامة لموضوع البحث وهى أهمية الدراسات البينية بين العلوم الإنسانية والإجتماعية دون إسهاب أو تطويل.

 

  • مسرحية (ياما في الجراب يا حاوي)

عرضت مسرحية "ياما في الجراب يا حاوي" عام 2021م على مسرح مكتبة الإسكندرية، وهى مسرحية غنائية خيالية عن رائعة بيرم التونسي (ألف ليلة وليلة) والملحن أحمد صدقي وإخراج مجدي الهواري مصمم الملابس نيفين رأفت واستعراضات رشا مجدى وانتاج كايرو شو وبطولة يحيى الفخراني ونخبة من النجوم مثل إياد نصار ومحمد الشرنوبي وكارمن سليمان وشريف دسوقي إلي جانب نجوم المسرح سما إبراهيم وناصر سيف وحسن العدل وإسماعيل فرغلي ورضا إدريس ولبني ونس وعلاء قوقه.

 

يا ما في الجراب يا حاوي" مسرحية تدور في أجواء ألف ليلة وليلة الساحرة والمثيرة ورغم أنها يغلب عليها الطابع الكوميدي الغنائي إلا أنها تضم كل عناصر الدراما المسرحية من التشويق والصراع الانساني في أحداث تجمع الحب والخيانة والتآمر والصراع على السلطة تدور قصة المسرحية حول شخصية "شحاتة"، المحتال الفقير خفيف الظل، الشحات الذي يتسول بصحبة ابنته من خلال الغناء في الشوارع، والذي تقوده مفارقات غير متوقعة هو وابنته الوحيدة، ليجد نفسه مشاركًا في مؤامرات وقصص حب وخيانة، وتتصاعد الأحداث من السجن إلى قصري الوزير والخليفة، حيث يتولى الخليفة الحكم في سن صغيرة بعد مقتل أبيه، ويقع الخليفة في حب ابنة الشحات، حيث يتنكر في شخصية ابن الجنايني وتقع الفتاة في حبه دون أن تعرف حقيقة منصبه الكبير، وأما الوزير المعتصر وهو ظالم وحاقد ومغرور ويعامل الشعب بقسوة ويحقد على الخليفة الجديد ويرى انه احق منه بالمنصب ولهذا يفكر في قتله وفي المقابل تتعرف زوجة الوزير وهى امرأة لعوب على الشحات دون أن تعلم حقيقته وحقيقة وضعه المادي والاجتماعي، حيث تنخدع في ملابسه المهندمة التي كان زوجها الوزير قد أعطاها لها من قبل.

 

توضح المسرحية سلسلة من الروايات الغير المقصودة وحبكات سوء الفهم مما ينتج عنها إسقاطاً على كيفية تبديل حياة الشخصيات الاجتماعية وتوضيح أن الزيف أصبح يتخلل كل شيء حتى أنه تبدلت الأدوار وتوارت الحقيقة وساد الخداع والزيف، وقد كان للمصمم في هذ العرض رؤية تشكيلية مختلفة مزجت بين التراث التاريخي والحاضر والخيال، إذ تميزت الخطوط والمفردات التشكيلية بالألوان المبهجة والساطعة حتى تبث الحياه والأمل في المشاهد المسرحية، والطابع الخيالي واستخدم وحدات التشكيل التي تعبر عن ملامح مصر القديمة والمآذن والسوق القديمة بالإضافة لقصر الخليفة والوزير.

 

بالرغم من استخدامه للمفردات التراثية في التصميم، إلا أنه قام بعمل تشكيل من هذه المفردات وربطها بالتراث التاريخي للعرض، بل وعدل في بعض الوحدات بحيث تمتزج مع بعضها البعض، وباستخدام الإضاءة في الخلفية وإضافة بعض المفردات الأخرى أصبح المشهد مختلفاً، وتظهر صور من العرض بشكل(10).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل(10) يوضح الشكل صورتين من العرض الأولى لمنظر السوق وفيه تظهر الألوان المختلفة للمفردات المختلفة للمنظر والتي تدل على الحياة التي تدب في المنظر واختلاف الطبقات الاجتماعية في هذا المكان والتراث المعماري الفريد لمعمار مصر القديمة بكافة تفاصيلها والثانية توضح منظر آخر للمدينة والسوق في الخلفية في لحظة ضوئية مختلفة.

 

 

استخدم المصمم هذه المفردات فى سبيل ربط المتلقي بفكرة التراث المعماري لمصر القديمة، وتوظيفه للمفردات التشكيلية التراثية بشكل خيالي أصبحت عنصر جذب وتشويق، ويلجأ بعض المصممين لهذه المعالجة الخيالية بحيث يجبر المتلقي على التفكير والتأمل في اللوحة التشكيلية للمنظر، بحيث يكسر حاجز الملل دون الإسهاب في التفاصيل التي قد تربك ذهن المتلقي، كما جاءت الأزياء في  الماضي غنية بالتفاصيل المبهرة والتي تظهر الدمج بين المنظر المسرحي والزي التاريخي المميز موضحاً كافة الطبقات المجتمعية فتظهر الملامح العربية للأزياء وتظهر بشكل(11).

شكل(11)   يوضح صورة يظهر فيها تنوع الأزياء وألوانها التي تمتزج مع ألوان المفردات التراثية بالمنظر المسرحي.

 

ويلاحظ أن الحاشية والجنود يرتدون أزياء عربية بحته بهدف نقل الصورة الشعبية البسيطة لمصر في هذه الفترة التاريخية التراثية التي تعبر عن هويتها الحقيقية، وفكرة تقديم مسرح يتسم باللون الشرقي ليعبر عن المجتمع الذي يُعرض له في إطار عالمي، كان ولابد أن تجمع الأزياء كل عناصر التشكيل المبهرة والمختلفة بحيث تعبر عن الدراما المسرحية من تشويق وإثارة وصراع، وهو ما أثمر عن نجاحها بما أنها مسرح موسيقي فكان ولابد أن تكون الأزياء احتفالية وملونة وتتسم بالبهجة وبالتفاصيل المبهرة، وتظهر بعض الصور للأزياء المختلفة للممثلين في شكل(12).

 

 

           

شكل(12) يوضح عدد من الصور التي تظهر بها جمال الأزياء المختلفة بالمسرحية ويظهر التنوع والألوان والتصميمات التراثية للأزياء العربية المبهرة، وتظهر التفاصيل الدقيقة للزخارف ذات الطابع الشرقي المميز.

 

الخاتمة

إن للتغيرات المجتمعية أثر كبير على المسرح المصري فهي التي تحدد هوية المسرح وتحدد موضوعاته وتستطيع من خلاله حل المشكلات المختلفة التي يتعرض لها المجتمع وتؤثر كذلك على نوعية الدراما المقدمة، وعلى المتلقي كذلك، إن فن المسرح يتأثر بالتغيرات المجتمعية وللمسرح أنواع عديدة مثل المسرح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إن المعالجة التشكيلية للصورة المرئية تتطلب دراية كاملة بالواقع المجتمعي وبكل المتغيرات التي أثرت على فن المسرح، لا يمكن التحدث عن المعالجة التشكيلية للمناظر المسرحية إلا بتحليل تشكيلي وصفى لعروض مسرحية مختلفة والتي تناولت العديد من القضايا المجتمعية المتغيرة والتي أثرت على المسرح المصري بشكل خاص فهي تحكى قصصاً واقعية وقضايا اجتماعية هامة أدت لتغيير شكل لمسرح المصري، وبما أن هدف المسرح الأساسي هو نشر الوعى والفكر لذا كان لابد من التطبيق على عروض مصرية متنوعة توضح ثلاثة أنماط مختلفة للمسرح مثل العروض البسيطة والتي تعبر عن الإنسان المصري البسيط وعروض أخرى تتناول الجانب الخيالي وأخرى تتسم بالتراث التاريخي العربي الأصيل لمصر القديمة.

النتائج والتوصيات

يظهر أن الكثير من القضايا المجتمعية لها أكبر الأثر على المسرح المصري مما يؤثر بدوره على الموضوعات الدرامية والنصوص التي يتبناها المسرح المصري فينتج عنه أنواعاً عديدة من المسرح مثل المسرح السياسي والمسرح التجاري والذي يطمح لتقديم المتعة والترفيه دون تقديم فكرة ونصيحة لتصحيح الأوضاع الغير صحيحة والمشكلات المجتمعية، إن المسرح يعد سلاحاً تربوياً لإنجاز وتطوير المجتمعات مما يجعل المسرح نافذةً لكل المجتمعات.

  • توصى الباحثة بالإلمام بالتغيرات المجتمعية المختلفة والتي تؤثر على المسرح المصري بشكل كبير مما قد يسهم في تغيير المعتقدات المصرية التراثية والتي قد تؤثر بالسلب على المجتمع ككل.
  • لابد من الاهتمام بفن المسرح والحفاظ على محتواه من التغيرات الاجتماعية التي قد تودي به، وتؤثر بالسلب على موضوعاته المختلفة مما يجعله يفقد قيمته التعليمية والتي بإمكانها إحداث تغييراً للأفضل في المجتمع.
  • يجب الحفاظ على الهوية المصرية والتاريخ المصري العريق وعدم الانسياق للمجتمعات الغربية وتقليدها.

 

 

 

 

(( [1]-  دَراسا ْت فِي القصة َوالمسرح- محمود تيمور – مكتبة الآداب ومطبعتها بالحماميز -المطبعة النموذجية- صـ6

(([2]- الطفل وعالمه المسرحي - عبد الرؤوف أبو السعد - ط. ١- دار المعارف- القاهرة ١٩٩٣م ، صـ ٢٨٢

(3) - جمال الطبيعة- جون جافنا - ترجمة أشرف نادى أحمد -المركز القومي لثقافة الطفل- القاهرة- ١٩٩٩- صـ ٨.

([4]) - مسرح المجتمع-توفيق الحكيم – مكتبة الآداب ومطبعتها بالحماميز- الطبعة النموذجية 1950- صـ7.

(([5] المسرح في الوطن العربي- د. على الراعي- 1979م –عالم المعرفة-الكويت- صـ70-71

([6] ) المرجع السابق- صـ 87-88.

([7] ) المرجع نفسه.

([8] ) المرجع السابق-صـ90.

(9) المسرح في الوطن العربي- د. على الراعي-مرجع سابق-صـ91-92.

([10]) المسرح العربي سقوط الأقنعة الاجتماعية- رياض عصمت- الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة –سوريا-دمشق –ط2- 2011م- صـ10-11

([11]) المسرح والصور المرئية – بياترس بيكون فالان- ترجمة: د. سهير الجمل ،أ.د سلوى لطفي - 17 وزارة الثقافة مهرجان المسرح الدولى للمسرح التجريبى مطابع المجلس الأعلى للآثار2005م – صـ160. 

([12])جمهور المسرح - سوزان بينت- ترجمة سامح فكري- القاهرة- مركز اللغات والترجمة- ط (2) -1995- صـ 36.

([13]) التكوين في الفنون التشكيلية - عبد الفتاح رياض-الناشر دار النهضة العربية- 2000- صـ67.

  1. المراجع

    1. المسرح العربي سقوط الأقنعة الاجتماعية- رياض عصمت- الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة –سوريا-دمشق –ط2- 2011م.
    2. المسرح فى الوطن العربى- د.على الراعى- 1979م –عالم المعرفة-الكويت.
    3. المسرح والصور المرئية – بياترس بيكون فالان- ترجمة: د. سهير الجمل ،أ.د سلوى لطفي - 17 وزارة الثقافة مهرجان المسرح الدولى للمسرح التجريبى مطابع المجلس الأعلى للآثار2005م.
    4. جمال الطبيعة- جون جافنا - ترجمة أشرف نادى أحمد -المركز القومي لثقافة الطفل- القاهرة-١٩٩٩.
    5. جمهور المسرح - سوزان بينت- ترجمة سامح فكري- القاهرة- مركز اللغات والترجمة- ط (2) -1995.
    6. دَراسا ْت فِي القصة َوالمسرح- محمود تيمور – مكتبة الآداب ومطبعتها بالحماميز -المطبعة النموذجية.
    7. التكوين في الفنون التشكيلية - عبد الفتاح رياض– الناشر دار النهضة العربية- 2000.
    8. مسرح المجتمع-توفيق الحكيم – مكتبة الآداب ومطبعتها بالحماميز- الطبعة النموذجية 1950.
    9. الطفل وعالمه المسرحي- عبد الرؤوف أبو السعد، ط. ١، دار المعارف، القاهرة، ١٩٩٣.