المرأة وهاجس التمرد في الرواية النسوية المعاصرة "رواية دارية أنموذجًا"

Document Type : Original Article

Author

كلية البنات- جامعة عين شمس

Abstract

This study seeks to reveal the obsession with rebellion, its representations and causes in feminist novelist writing, by analyzing the novel "Daria" by the Egyptian feminist writer Sahar El-Mougy, qualitatively in light of the issues of the feminist trend and its relationship to literature. The study concluded several results, the most important of which are: The woman in this novel is considered a new product of the transformations that women have witnessed on the psychological, intellectual, and social levels. This was demonstrated through the character of Daria, who was characterized by boldness and clarity. The writer also explained several forms of rebellion, including: rebellion against men’s ideas about women and their roles in the public and private spheres, rebellion against the customs and traditions that govern women and exercise authority over them, rebellion against the traditional color of writing, in addition to rebellion against the social and cultural systems that robbed women of their rights and made them Under the guardianship of a man.

Keywords

Main Subjects


    أولاً- مدخل إلى إشكالية الدراسة:

       شهدت ستينيات القرن العشرين ظهور موجة أدبية جديدة جاءت كرد فعل للتطورات التي اجتاحت العالم بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، والتي تحولت فيها الفنون والآداب من حالة فقدان المعنى والصمت إلى حالة التمرد على الثقافة التقليدية والسعي نحو الحرية. عُرفت هذه الموجة "بأدب التمرد" الذي سعى كُتابه إلى الخروج عن المألوف والكتابة في القضايا المسكوت عنها. وفي السياق الزمني نفسه تطور الأدب النسوي ليطرُق قضايا ظلت أيضًا من القضايا المسكوت عنها لسنوات طويلة حتى في ظل وجود الحركة النسوية واِزدهارها، فقد اقتحم الأدب النسوي جُدران الصمت من خلال التمرد على السلطة الأبوية التي اعتبرتها النسويات المسئولة عن حَجب إبداعات النساء والحد من حُريتهن ومُمارسة كل صور القهر تحت دعاوى ثقافية كان على النساء أن تخضع لها.

     نما أدب التمرد النسوي مع نمو الحركة النسوية ومع تغير السياق الاجتماعي الثقافي في مُجتمعات عدة. فثمةً علاقة معرفية وتاريخية بين النسوية والأدب تبلورت فيما يُعرف "بالأدب النسوي" الذي ظهر من خلال الأعمال الأدبية المُختلفة التي عبرت من خلالها النسويات في مُختلف أنحاء العالم عن واقعهن، وتجاربهن، ورغبتهن في الحصول على الحرية والمساواة. لذا لم تقتصر الأعمال الأدبية النسوية على عرض التجارب والخبرات الذاتية للنساء فحسب، بل عملت على نقد الأوضاع الاجتماعية في تلك المُجتمعات. وقد أثرت حركة النقد الاجتماعي النسوي هذه على الدراسات الأدبية والأكاديمية في العديد من المُجتمعات؛ وتفسر النسويات ذلك بوصفه: "نوعًا من الإلمام بأدوات المعرفة وأسلوبًا لقراءة النصوص والحياة اليومية في موقف مُعين" (جيل لبيهان، 2002: 195). وعبر الروائي الأردني "غالب هلسا" (1932-1989م) عن القيمة المعرفية لحالة التمرد التي تُقدمها رواية المرأة عن المرأة  قائلًا: "من خلال رواية المرأة شعُرت بأنني أتعلم أشياء عن المرأة لم أكن أعرفها من قبل". وفي سياق مُشابه، تقول الكَاتبة الفرنسية "آني لوكلارك Annie Leclerc (1940- 2006م) "سيكون من الخسارة الفادحة أن تكتُب النسوة بأسلوب الرجال، هذا يجعلنا عاجزين عن الإحاطة بحدود هذا العالم وتنوعه"، فالمرأة تُعبر عن الوجدان والرجل يُعبر عن العقل (نزيه أبو نضال، 11:2016). ولهذا، يُعتبر أدب التمرد النسوي رسالة إلى الكُتاب الرجال بأن ما تكتُبه المرأة غير مشروط بالقوانين والقواعد التي وضعها لها الرجال، وأن ما تكتُبه النساء يقوم  بدور تنويري في المقام الأول، ويعمل على إلغاء بعض القضايا الاجتماعية السلبية التي كانت تحط من شأن المرأة (محمد عايد موسى الهدبان،2018: 30).

     وإذا انتقلنا من السياق العالمي إلى مُجتمعاتنا العربية، نجد أن المرأة العربية قد اتخذت من الكتابة النسوية وسيلةً لمُمارسة التمرد على الأوضاع السائدة في المُجتمع، وجهرت بهذا دون تردد ولا خوف، فقد كان الهدف الأول من الكتابة هو هدم حائط الخوف، ومواجهة السلطة الذكورية التي تحد من دورها في المُجتمع، لذا جاءت كتابتها لاذعة وشرسة في مُحاولة لاستعادة مكانتها التي سلبت منها بالقوة. هذا، وقد ساعد على قبول هذا النوع من الأدب ظهور "فن الرواية" في البلدان العربية، هذا الفن الذي مارست من خلاله الكَاتبات العربيات التمرد بقوة من خلال الأعمال الروائية (أمنية ندرومي، 2020: 14).

      وإذا انتقلنا من السياق العربي إلى السياق المصري، نجد أن الكتابة النسوية عامة والروائية تحديدًا قد شهدت  مُنذُ مُنتصف القرن العشرين تحولًا كبيرًا في الموضوعات التي تتناولها، حيث أخذت الكتابة في هذه الفترة سَمْت الصراحة والقوة، والاحتجاج على كل المُمارسات المُقيدة لحركة المرأة التي بدأت تتلمس خطواتها نحو التحرر. حاولت النسويات من خلال الكتابة الروائية كسر التابوهات ومُقاومة السلطة الأبوية (زينب العسال، 2008: 84) ومن هؤلاء النسويات: لطيفة الزيات، ونوال السعداوي، ورضوى عاشور، وسلوى بكر... وغيرهن، من الكَاتبات والأديبات المصريات اللائي سعين للكتابة في القضايا المسكوت عنها، ليس فيما يخٌص حرية النساء فحسب، بل وفي علاقة النساء بالمُناخ الاجتماعي والثقافي العام الذي يُمثل عقبة في سبيل تحررهن.

      هذا؛ وتُعد الكاتبة والأديبة وأستاذة الأدب الإنجليزي "سحر الموجي" واحدة من الكَاتبات النسويات التي بدأت نشاطها الأدبي في التسعينيات من القرن العشرين، الحقبة التي وصل فيها أدب التمرد إلى ذروته، لتتناول قضايا النساء الساعيات إلى الحرية. وتُعد رواية "دارية" واحدة من أهم الأعمال التي تناولت فيها سحر الموجي قضية حرية المرأة وتمردها على السلطة الأبوية وسعيها إلى التحرر من القيود التي فُرضت عليها من قبل هذه السلطة خلال مراحل حياتها. وفي هذه الدراسة سوف تُقدم الباحثة  قراءة سوسيولوجية للرواية انطلاقًا من أطروحات سوسيولوجيا الأدب النسوي؛ للوقوف على الدور الذي يلعبه الأدب في مُناقشة قضايا المرأة عامة وقضية الحرية والتمرد على السلطة الأبوية خاصة. وبناء عليه تطرح الدراسة سؤالين رئيسيين:

  1. ما هي أهم مظاهر التمرد وآلياته في الرواية؟
  2. إلى أي مرحلة وصل تمرُد "دارية" في الرواية؟

ثانيًا: المفاهيم الأساسية:

  1. التمرد  Rebellion

       عرف العديد من الفلاسفة والمفكرين التمرد بأنه: نمط من الأنماط التي تُمثلها الشخصيات الروائية من حيث التفاعل مع حركة الواقع من منظور التحولات الكبرى وعلاقتها بطبيعة المجتمع. ووفقًا لذلك عرف عالم الاجتماع الأمريكي "روبرت ميرتون Merton Robert" (1944م) التمرد بأنه: رفض الفرد وسائل المُجتمع وأهدافه والبحث عن تبديلها بأهداف ووسائل مُغايرة غير مقبولة للمؤسسات الاجتماعية في المُجتمع، ورفض الثقافة السائدة والبناءات الاجتماعية والبحث عن تبديلها بواحدة جديدة عن طريق الثورة والتمرد (حليمة صحراوي، 2018: 18). كما عرف الفيلسوف الفرنسي "ألبير كامو Albert Camus" (1913- 1960م) الشخص المُتمرد بأنه: "إنسان يقول لا، ولئن رفض فإنه لا يتخلى. فهو أيضًا إنسان يقول: نعم، مُنذُ أول بادرة تصدر عنه. والإنسان الذي ألف تلقي الأوامر طيلة حياته يرى فجأة أن الأمر الجديد الصادر إليه أمر غير مقبول" (ألبير كامو، 1983: 18).

     بينما عرفه أودونيل وآخرون  J.O, Donnell et allبأنه: "مجموعة من السلوكيات التي يُمارسها الفرد عندما تُقيد حريته في التفكير والتصرف، ويُعد ذلك مُحاولة لاستعادة حريته المفقودة مرة أخرى(J.O ,Donnell et all,2001: 679) والتمرد يعني أيضًا اتخاذ الفرد موقفًا رافضًا للوضع القائم والحالي، والميل لإِتباع القناعات الشخصية بالسلوكيات الممنوعة على الرغم من الضغوط الاجتماعية التي تُساعده على رفض القيام بذلك (138 et all, 2015: Sonnentag, Tammy). كما يعني التمرد أيضًا رفض الفرد لكل ما يوجه إليه من فعل أو مقاومته، إذ يجد أن تلك الأفعال أو الأقوال لا تتفق مع ما يحمله من وآراء واتجاهات ومبادئ خاصة بِهِ، حتى وإن كان ما يوجه إِليه من فعل أو قول صحيح وفي صالحة، قد يكون الرفض من خلال الفرد نفسه أو من خلال تحريض الآخرين على الرفض، أو يكون التمرد إيجابيًا مُتمثلًا بتغير الوضع العام نحو الأفضل، أو سلبيًا يتجه بالفرد نحو الجنوح للخلف (إقبال محمد الرشيد الحمداني، 2009: 44).

     وينظر البعض إلى التمرد أيضًا على أنه القيام بالممنوع (المحظور) المُتمثل بالرفض الذي يظهره الفرد لكل ما هو قائم من فكر ومبادئ وعادات وتقاليد، ومقاومة السلطة برموزها المُختلفة (الوالدية، التعليمية وأي سلطة في المجتمع) والميل إلى انتقادها وتحديها. وللتمرد صور وأشكال مُختلفة؛ قد يكون هذا التمرد مُباشرًا  أو غير مُباشرًا، ويظهر التمرد المُباشر في صورة رفض وتمرد على تقاليد الأسرة وقيمها وأخلاقها وعقيدتها والمهن التي تُرضيها، كما يظهر في شكل مُخالفات في الملبس أو قضاء أوقات الفراغ، أما التمرد غير المُباشر فيتمثل في: الإذعان لمطالب السلطة لكن في الوقت نفسه هو مُحاولة إظهار تمرده عن طريق تحريض الآخرين على عدم الانصياع للسلطة، كما يُعد التحريض شكلًا من أشكال الثورة، وهو الجانب الفعلي للتمرد. أما التمرد بالقمع أو الرفض فيقود صاحبة إلى العزلة والانطواء، وفي الأغلب يُصاحب هذه العزلة والانطواء حالة من الاغتراب تجعل المُتمرد وحيدًا خارج السرب فيضحى غير مُنتمي للعقل الجمعي الذي يدين بِهِ الأغلبية لأعراف المجتمع وتقاليده (محمد عايد موسى الهدبان،2018 :25- 26).

       بينما عُرف التمرد من الناحية الاجتماعية بأنه: مُحاولة فردية لتغيير الواقع الاجتماعي، غير أن هذه المُحاولة، وبسبب فرديتها، محكوم عليها بالفشل لأن تغير الواقع يحتاج إلى ثورة اجتماعية أو إلى مدى تاريخي طويل. أما التمرد بالمعنى الفلسفي فهو: فعل التحدي الذي يُمارسه الفرد ضد قوى عاتية لا يستطيع إلحاق الهزيمة بها، لكنه يواصل الصراع رغم تكرار الفشل؛ لأن لا خيار أمام الإنسان سوى التمرد في مواجهة اللعنة أو في مُجابهة غضب الآلهة، إنه قدر الإنسان ومصيره، وهذا ما فعله أوديب (اللعنة) وسيزيف (الصخرة) وبرمثيوس (الشعلة) وباندورا (التحدي) في الأسطورة اليونانية (نزية أبو نضال، 2016: 25).    

  تعريف هاجس التمرد إجرائيًا: هو نوع من رد الفعل اتجاه مواقف تُشعر بطلة الرواية "دارية" بالقهر والخنوع والضعف ممن يواجه إليها اللوم، وعدم التقدير، والتقليل من الذات، والتي تأخذ أشكال من التمرد تتلائم مع كل ما تتعرض له من ضغوط ممن حولها.

 

ثالثًا: التمرد في الرواية من واقع التراث البحثي:

     تعددت صور التمرد في الرواية النسوية كأحد آليات التعبير على بعض القضايا المسكوت عنها، ومن هذه الدراسات: دراسة (إلهام سناني، 2022)، التي حاولت التعرف على ظاهرة التمرد لدى المرأة في الرواية التونسية المعاصرة، واختارت الباحثة رواية "نخب الحياة" لآمال مختار نموذجًا لها، لتتناول صورة المرأة الشرقية المُتمردة التي ثارت على عاداتها وتقاليدها وقيمها الشرقية. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: مُحاولة بطلة الرواية أن تتمرد على عالم القيود المفروض عليها، فلا تجد ما تُعبر بِهِ عن تمردها سوى جسدها؛ الذي تُمارس حريتها من خلاله، فتحاول جاهدة عتق جسدها حيث سعت إلى الرحيل نحو ديار الغربة حيث تكون الحرية المُطلقة والرقابة غائبة، كما رأت أن الرحيل إلى الغرب تحديدًا هو الخلاص والملاذ الآمن الذي تستطيع فِيِه تحقيق آمالها وطموحها.

     ومن جانب آخر حاولت دراسة (حميد يعكوب، ونعيمة الصافي، وبشري عباس جهاد، 2021)، الكشف عن التمرد السياسي في نماذج مُختارة من الرواية النسوية العراقية؛ لما للسلطة السياسية من حضور في النتاج السردي النسوي. واعتمدت الدراسة على نماذج مُختارة من الرواية النسوية العراقية منها: رواية "النبيذة" لإنعام كجه كجي، "ذكريات امرأة عراقية" لنجاة نايف سلطان، ورواية "ما سيأتي" لهدية حسين، ورواية "هي في الذاكرة" للكاتبة زينب صالح الركابي، ورواية "الثائرة" لسارة الشيخ. واعتمدت الدراسة على المنهج الثقافي في قراءة النصوص السردية؛ كونه منهجًا يمد الدراسة بآليات تسمح بسبر أغوار النص، والكشف عن قيمته الموضوعية. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: أن للسياسة آثر واضح في الإنتاج الأدبي العراقي الحديث تركت بصماتها في الرواية النسوية تحديدًا، كما استخدمت الكاتبة العراقية خيالها السردي لتعرية جزء من القضايا المسكوت عنها في تاريخ العراق، والمُعاناة المريرة التي عاشها الشارع العراقي. لم تغفل الروائية العراقية حقبة زمنية من تاريخ العراق السياسي، فقد تناولت فترة الحكم الملكي، كما سلطت الضوء على الحكم الجمهوري والحكم الديمقراطي وأحزاب السلطة الحاكمة في الوقت الحالي.

      بينما تناولت دراسة (السعيد ضيف الله، وفطيمة بلبركي، 2021)، قضايا المرأة (المُشار إليها بالأنا) بأبعادها النصية المُختلفة، النفسية والثقافية، بطُرق فنية تكشف صور اضطهادها المُمتد مُنذُ القِدم من طرف الرجل (المًشار إليه بالآخر). واعتمدت الدراسة على تحليل "رواية تاء الخجل" للكاتبة الجزائرية "فضيلة الفاروق". طرقت الكاتبة مواضيع حساسة عُدت من التابوهات مُعلنة تمردها عن الآخر وإكراه سلطته. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: خرق الكاتبة للمقاييس والقوانين التي حكمت المجتمع الجزائري من خلال مُمارسة بطلة الرواية القفز على الواقع الذي هدد كيانها ودمر وجودها. دعت الكاتبة إلى طفو التابوهات على السطح من أجل تحرير المرأة من القيود التي كبلتها بها ذهنية الرجل، وماضوية الثقافة البطريركية التي لا ترى المرأة إلا جسدًا، ولا تؤمن بها روحًا وإبداعًا.

     في حين كشفت دراسة (أمينة ندرومي، 2020)، عن ماهية التمرد وتجلياته في الجنس الأنثوي. اعتمدت الدراسة على عمل واحد من أعمال الكاتبة المصرية نوال السعداوي ألا وهي "مذاكرات طبيبة" كونها أحد الأعمال المُهمة التي من خلالها خاضت نوال السعداوي في قضايا مسكوت عنها وكشفت عن الكثير من التابوهات والمحظورات التي ظلت تحكم العلاقة بين الرجال والنساء. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: استطاعت نوال السعداوي، من خلال كتابتها عمومًا ومذاكرات طبيبة على وجه التحديد، أن تكسر حاجز الصمت وتتمرد على الموروثات الثقافية لتُعيد رسم مكانة المرأة المسلوبة اجتماعيًا وأدبيًا من قِبل الرجال. لم تكتفِ الكاتبة والروائية بهمها الخاص على حساب الهم العام، وإنما انفتح إبداعها على هموم واقعها ومُجتمعها ككل، وذلك باعتبارها جزءًا لا يتجزأ منه. سخرت نوال السعداوي حياتها وقلمها للدفاع عن حقوقها وحقوق بنات جنسها فتمردت على الأنظمة الاجتماعية والسياسية...التي سلبت المرأة حقوقها وجعلتها تحت سلطة الرجل (الزوج، الأب، رجل الدين، الأخ، رجل السياسة...إلخ). لذلك تمردت السعداوي على كل صور السلطة الأبوية. 

    وجاءت دراسة (محمد عايد موسى الهدبان، 2018)، لتكشف عن تجليات التمرد في الأدب النسوي، في مستويه: الأردني والعربي، والتعرف على العوامل التي أدت إلى ظهور هذا التمرد في الأدب عامة، ومُسببات تجليه عند المرأة المبدعة تحديدًا. وقد اعتمدت الدراسة اعتمادًا رئيسيًا على الإنتاج الروائي للأديبة الأردنية "سميحة خريس"، والروايات هي: رواية "رحلتي"، رواية "المد"، رواية "القرمية"، ورواية "خشخاش"، و رواية "دفاتر الطوفان"...وغيرها من الروايات، اعتمدت الدراسة على البنيوية الأسلوبية في تحليل الروايات. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: إن للتمرد دوره الفاعل في إبراز أدب سميحة خريس، إذ تناولت خريس، خلال مسيرتها الروائية، العديد من القضايا ذات الحساسية المجتمعية والثقافية، والتي كانت من المُحرمات في المُجتمع مثل: قضايا الزواج والطلاق، وطريقة التعامل مع المرأة المُتعلمة وغير المُتعلمة، وكيف اختلفت طبيعة تعامل الرجل مع المرأة باختلاف البيئات الجغرافية. كما أكدت الدراسة على أن قيمة التمرد توجد في كافة عناصر الرواية سواء بشكل صريح أو ضمني؛ فاستخدام اللغة الشعرية، على سبيل المثال، في سياق النص الروائي هي مُحاولة تتسم بالتمرد على النمط الكتابي للرواية بأسلوبها السردي، وعلى الرغم من أن هذه التقنية قد تواجه نقدًا لكون اللغة الشعرية تختلف في قواعدها عن اللغة الروائية.

     بينما ركزت دراسة (صباح علي سعيد، 2018)، على عرض ملامح الشخصية المُتمردة في الرواية السعودية المُعاصرة، وإبراز المعاني والأفكار الكامنة فيها، وتبيان كيفية تشكيل هذا النمط من الشخصية من خلال الأدوات والأساليب الأدبية في الرواية. اعتمدت الدراسة على المنهج الاجتماعي الذي يربط بين النص والوسط الاجتماعي الذي أنتجه. اتخذت الدراسة من رواية "بنات الرياض" للأديبة السعودية رجاء عبد الله الصانع عينة لها. وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها: إن تمرد المرأة في رواية "بنات الرياض" هو نمط من الأحداث الروائية نتج عن بعض التحولات النفسية والفكرية والاجتماعية التي تُمثل حقبة درامية في المنطقة أرغمت المُبدعين إلى مُجاراة العصر. وكانت المرأة المُتمردة إحدى هذه السمات التي حاولت تغيير العديد من المفاهيم والتقاليد والموروثات العربية المُتأصلة في البيئة السعودية. والتمرد في هذه الرواية اتسم بالجرأة والوضوح حيث أظهرت عددًا كبيرًا من التحولات الاجتماعية فيما يتعلق بقضية المرأة وحقوقها، ومتغيرات أخرى كثيرة ثقافية وسلوكية انعكست في روايات عامة ورواية "بنات الرياض" خاصة.

       ومن خلال استقراء التراث البحثي المُتاح اتضح للباحثة ما يلي: أولاً، كانت هُناك قلة في الدراسات المُتعلقة بقضية التمرد في الرواية النسوية المصرية، مُقارنة بحجم الدراسات التي أُجريت على المستوى العربي، ومن ثم كان هُناك حاجة إلى مزيد من الدراسات عن التمرد؛ نظرًا لأهميتها ودورها في إثراء الأدب النسوي المصري. ثانيًا، اعتمدت مُعظم الدراسات على المنهج الثقافي في قراءة النصوص السردية؛ كونه منهجًا يمد الدراسة بآليات تسمح بسبر أغوار النصوص والكشف عن قيمها الموضوعية والمنهج الاجتماعي الذي يربط بين النص والوسط الاجتماعي الذي أنتجه. بينما أغفلت الدراسات استخدام التحليل والتفسير ووصف الظاهرة موضوع الدراسة في ضوء قضايا التيار النسوي وعلاقته بالأدب وهو ما سوف تتبناه الدراسة.

       ومن العرض السابق يتضح أن جُل التراث البحثي المعني بالمرأة وهاجس التمرد قد دار في مجال الأدب والنقد الأدبي أكثر من المجال السوسيولوجي، كما أنه دار حول تمرد المرأة بشكل عام في المجتمعات العربية سواء كان "سياسي أو اجتماعي أو حتى ديني"، في حين أن تمرد المرأة في المجتمع المصري لم يحظَ بالقدر نفسه من الدراسات، باستثناء دراسة التمرد في رواية "مذكرات طبيبة" للكاتبة نوال السعداوي. ومن هُنا تكمُن أهمية الدراسة الراهنة في: تسليط الضوء على إنتاج واحدة من الكاتبات المصريات وهي الأكاديمية والأديبة الدكتورة سحر الموجي أستاذة الأدب الإنجليزي التي كرست نشاطها الفكري والروائي لقضايا المرأة من منظور نسوي.

رابعًا: الإطار النظري الموجه للدراسة

       تبنت الدراسة الاتجاه النسوي وذلك لعدة أسباب: أولها، أن الدراسة تهتم بالخطاب الروائي النسوي. ثانيًا: انتماء الكاتبة ذاتها لهذه الاتجاهات النسوية، بالإضافة إلى كونها ناشطة نسائية. ثالثًا: اعتبرت الكاتبة النصوص الأدبية بمثابة خطاب مُتاثر بسلطة الثقافة السائدة وهو ما أكدت عليه كافة المدارس النسوية، ويمكن توضحيه فيما يلي:

       شغلت قضايا المرأة جانبًا كبيرًا من اهتمامات الأدب النسوي لا سيما الذي مارس النقد الاجتماعي باعتباره منبرًا ثقافيًا يُمكن من خلاله أن تُدافع المرأة عن حقوقها وقضاياها التي أهملها المُجتمع لفترات زمنية طويلة. ومن هنا عبرت العديد من الأعمال عن رغبة النساء على مستوى العالم في صياغة مُجتمع جديد أقل قهرًا للنساء سواء كن أديبات أو قارئات. ومن هُنا ظهرت العديد من الأعمال الأدبية للعديد من الناقدات النسويات مثل: "كيت ميليت"، و"جيرمين جيرير"، و"إيلين شوالتر"، و"ساندرا جلبرت"، و"سوزان جوبر"... وغيرهن لنقد المُجتمع الأبوي "الذكوري" (جانيت تود، 2002: 31). ورغم نجاح هؤلاء النساء في تحريك المُجتمع، غير أن البعض رأى أنه لا يوجد فرق بين ما يكتُبه الرجل وما تكتُبه المرأة، فما الأمر إلا إبداع إنساني. ويُعد هذا دافعًا لظهور عدد من الكَاتبات أولين اهتمامًا بالغًا للدفاع عن الأدب النسوي لكون المرأة أكثر تعبيرًا عن الواقع من الرجل (أشرف توفيق، 1998: 61). لذا واجهت النساء العديد من القيود في بداية إبداعهن الأدبي حيث استخدمت العديد من الكَاتبات أسماء مُستعارة، أسماء رجال تحديدًا، وكان هذا تعبيرًا واضحًا للتمييز، واستعارة لعناصر القوة التي كانت تفترض أنها وقف على الرجال دون النساء(نازك الأعرجي، 1997: 29-30)، وقد شارك بعض الرجال المُبدعين في هذه الظاهرة، ففي السياق المصري على سبيل المثال: كتب محمد حسين هيكل روايته زينب عام 1912م ولم يضع عليها اسمه وذيلها باسم مُستعار هو "فلاح مصري" وصدرت الرواية رسميًا عام 1914م، كان وقتها محمد حسين هيكل مُحاميًا يخشى أن تسيء الرواية إليه وإلى مهنته باعتبار أن كتابة الروايات في تلك الفترة تعني التسلية ولا تعني العمل الفني الجاد وخاصة إذا كانت تتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة؛ وهذا يُعد جرأة كبيرة من كاتب وظلت الرواية تحمل توقيع فلاح مصري حتى عام 1929م إلى أن تحرر الكُتاب من الخوف من اللوم الاجتماعي وكتبوا بأسمائهم الحقيقية (زينب العسال، 2008: 46).

     لذا يُمكن القول بأن الخطاب النسوي الأدبي قد مر بمراحل عدة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، فتذكر "إيلين شوالتر Elaine Showalter" في كتابها (أدب خاص بهن  Literature of their own عام 1977م) أن تاريخ الأدب النسائي قد مر بثلاث مراحل (سارة جامبل، 2002: 478)، وهي :

  1. المرحلة النسائية (1840م- 1880م)، هي المرحلة التي كانت فيها الكَاتبات يُقلدن الرجال.
  2. المرحلة النسوية ( 1880م- 1920م)، وفيها طرحت الكاتبات فكرة الاحتجاج في أعمالهن.
  3. المرحلة الأنثوية (1920م- حتى الآن)، تهتم الكاتبات في هذه المرحلة باكتشاف الذات الأنثوية.

     والجدير بالذكر، أن هذا الوضع قد طال أنشطة النساء في مُختلف صُنوف الأدب: الفن والرسم، والسينما، والموسيقى، والأدب، والتعليم، والسياسة، والحياة العامة وكافة الفنون الحديثة...إلخ، كما استطاعت المرأة أن تحتل مساحة كبيرة في مُختلف المجالات. كل هذا يُعد مُحاولة لمُعادلة الحاضر بالماضي، أي أن ظُلم المرأة في الماضي يجب أن يوازيه إعلاء لها في الحاضر والمستقبل، إعمالًا لمقولة: "أن المُستقبل مؤنث" (محمد عبد المطلب، 2014: 29-31).

    ومثلما نمت حركة نقد أدبي نسوي في المُجتمعات الغربية، نمت حركة موازية في مُجتمعاتنا العربية بفعل التأثير الهائل للاتجاه النسوي، حيث مارست العديد من النساء العربيات الكتابة الأدبية، من خلال أنواع أدبية مُختلفة، في العديد من القضايا التي تهم النساء وربطها بالسياق الاجتماعي وحركة النقد العام، وأهم هذه القضايا:

  • التنشئة الاجتماعية Socialization، لما لها من دور كبير في تحديد الأدوار النوعية التي يُمكن أن يقوم بها الذكور والإناث في المُجتمع، كما يتوقف على هذا الدور تحديد وضع المرأة في المُجتمع بصفة عامة وفي الأسرة على وجه التحديد. وتنشئة المرأة إما أن يجعلها خاضعة أو مُتمردة على الأوضاع الاجتماعية المُختلفة المفروضة عليها بحكم جنسها.
  • تُعد قضية النساء المُضطهدات Persecution، واحدة من القضايا التي أولتها التيارات النسوية المُختلفة أهمية قصوى مُنذُ ظهور الحركة النسوية. وقد ارجعت هذه التيارات اضطهاد النساء إلى سيادة السلطة الأبوية على الرغم من وجود عدة مُحاولات لمنع التمييز بين الجنسين وجُدت نساء مُضطهدات في الواقع مما انعكس في الأعمال الأدبية المُختلفة. وهذا ما دفع المرأة للتمرد على وضعها ومكانتها التقليدية التي رسُمت لها.
  • الاستغلال Exploitation، هو نوع من أنواع القهر التي تتعرض لها المرأة من قبل الرجل من خلال سيطرة الرجل عليها بحُكم وضعة الاجتماعي، وقد ميزت "ماريا ميز Maria Mies"، أستاذة الاجتماع الألمانية، بين ثلاثة معانٍ للاستغلال تتعرض لهم المرأة: الأول، هو استغلال الرجل للمرأة اقتصاديًا، الثاني، استغلال الرجل للمرأة جسديًا، بينما الثالث، استغلال المرأة في عملها كأجيرة، وهذا الشكل يعُده الراديكاليون أقل أشكال الاستغلال حدة ولكن أخطر أشكال الاستغلال التي يُمكن أن تتعرض لها المرأة هما الشكلان الأول والثاني اللذين يتضمنان استغلال المرأة اِقتصاديًا وجسديًا (Maria Mies, 1986: 36-37). وفي ضوء ما سبق حاولت الباحثة اختبار بعض مفاهيم وقضايا الاتجاه النسوي خاصة قضايا المرأة المقهورة التي تبحث عن ذاتها في ظل وجودها في مجتمع ذكوري.

خامسًا- الإطار المنهجي للدراسة:

  1. نوع الدراسة ومنهجها: تندرج هذه الدراسة تحت الدراسات التحليلية التفسيرية، التي تهتم بتحليل الظاهرة تحليلًا كيفيًا. وسوف تقوم الباحثة بهذا التحليل في ضوء قضايا التيار النسوي الثلاث السابق الإشارة إليها، والمُتمثلة في: التنشئة الاجتماعية، والاستغلال، والمرأة المُضطهدة والتي تُعد القضايا المسؤولة عن قهر النساء والتي دعت إلى تمردهن عبر آليات عدة. هذا إلى جانب التطرق إلى بعض القضايا المسكوت عنها في المُجتمع، وكُلها مفاهيم وقضايا تُسهم في إلقاء الضوء على صور تمرد النساء على السلطة الأبوية وعلى الثقافة التقليدية التي عاشت فيها النساء.
  2. مصادر جمع البيانات: اعتمدت الدراسة على مصدرين أساسين من مصادر جمع البيانات، وهما:
  • مصادر أولية: رواية "دارية" لسحر الموجي.
  • مصادر ثانوية: تمثلت فيما كُتب في التراث البحثي حول تمرد المرأة خاصة في الأعمال الأدبية، والذي أسهم بدوره في تحديد المفاهيم الأساسية للدراسة ومكن الباحثة من صياغة مفهومها الإجرائي، واختيار عينة الدراسة. هذا؛ بالإضافة إلى الإطلاع على الإسهامات النسوية في الفترة التاريخية التي كتبت فيها الرواية، والتي تعكس مدى وعي الكاتبة بقضايا المرأة المُختلفة.
  1. عينة الدراسة ومبررات اختيارها: اعتمدت الدراسة على تحليل رواية "دارية" للكاتبة والأكاديمية المصرية سحر الموجي وهي رواية صادرة عن دار الشروق عام 2008. وقد وقع اختياري على هذه الرواية تحديدًا لعدة مبررات أهمها: أنها تحمل قدرًا كبير من قضايا النسوية التي تُمثل فترة التسعينيات من القرن العشرين، كما أنها تُعد أول رواية اجتماعية للكاتبة حصلت من خلالها على جائزة أندية الفتيات بالشارقة عام 1998م، هذا بالإضافة إلى اختلاف صورة المرأة في تلك الرواية عن غيرها من الروايات؛ فالمرأة في روايتها فاعلًا وليس مفعول بِهِ كما صورتها بعض الأعمال خاضعة ضعيفة مُستكينة لسلطة الرجل. جاءت الرواية مُحملة بهموم المرأة المُثقفة الطموحة، المرأة التي ما زالت تُعاني من ممارسات السلطة الأبوية.
  2. اعتمدت الدراسة على تحليل المضمون الكيفي، كطريقة يمكن من خلالها تحليل النص الأدبي، وبهذا يتم التحليل الداخلي للنص. حيث يقوم التحليل الكيفي بثلاث مراحل وهي:
  • المرحلة الأولى: قامت الباحثة بقراءة مضمون الرواية قراءة أولية للتعرف على الأطر العامة للرواية والمُتمثلة في معرفة الشخصيات والأزمنة والأماكن التي تُجرى فيها الأحداث هذا بالإضافة إلى التعرف على محتوى ومضمون الرواية. من ثم تحديد الفئات الأساسية والفرعية للتحليل والمُتمثلة في ثلاثة فئات رئيسية، تم تقسيمها كالتالي: الفئة الأولى: تُحدد الكيفية التي قدمت بها الكاتبة شخصيات روايتها، أما الفئة الثانية: فهي الفئة التحليلية التي اتضحت من خلال الكيفية التي تمردت بها المرأة على واقعها المَعِيش وكيف عبرت عن أزمتها الشخصية والمجتمعية. كما اهتمت الفئة الثالثة: بتقديم أُطر جديدة للخروج من الأزمة المُعاشة.
  • المرحلة الثانية في التحليل: تهتم بإعادة قراءة النص مرة أخرى بهدف تفكيكه إلى أجزاء تكشف لنا القضايا المسكوت عنها داخل النص الروائي، لمعرفة المعاني الضمنية والصريحة التي يعنيها هاجس التمرد عند المرأة.

ج. المرحلة الثالثة والأخيرة في التحليل: إعادة تركيب النص مرة أخرى بعد تفكيكه في ضوء قضايا النظرية النسوية بما يُتيح فرصة أخرى للتحليل ويكون التحليل على مستويين المستوى الأصغر المقصود به على مستوى النص الروائي الداخلي، والمستوى الأكبر المُتمثل في السياق الاجتماعي العام الذي كُتبت فيه الرواية.

     - أما عن وحدات التحليل: فتمثلت في ثلاث وحدات أساسية وهي وحدة العبارة والفقرة والشخصية وتمت الاستعانة بهذه الوحدات لتناسبها مع طبيعة موضوع الدراسة؛ كما تمت الاستعانة بوحدتي العبارة والفقرة للتدليل على بعض قضايا التمرد الشخصي والمجتمعي، وذلك من خلال أسلوب الاستشهاد، وتم ذلك عن طريق اختيار فقرات من النص لتحليل عدد من القضايا الاجتماعية الواردة في الرواية، ومحاولة ربط تلك القضايا بالسياق العام في المجتمع، ومدى تأثر المرأة بتلك السياق وانعكاسه في عملها الروائي. كما تمت الاستعانة أيضًا بوحدة الشخصية لتُعبر عن رؤية المرأة كونها نصف المُجتمع في تحليل الدور الذي تقوم بهِ كشخصية محورية في العمل الروائي ولمعرفة إذا كانت تلك الشخصية خيالية أم تاريخية أم شخصية ذات طابع اجتماعي بالإضافة لمدى قدرتها على مُقاومة الضغوط المفروضة عليها.

سادسًا: المرأة وهاجس التمرد كما كشفت عنه نتائج التحليل السوسيولوجي:

     ذهبت النسوية بكافة تياراتها ومُنطلقاتها الفكرية، إلى أن تدني وضع المرأة في أي مُجتمع يرجع إلى تقسيم العمل بين الرجال والنساء، فقد مُنح الرجل أعمالًا خارج المنزل، خاصة التي تتطلب قوة عضلية أكبر، بينما خصصت للمرأة الأعمال التي تتم داخل البيت كرعاية الأطفال والطهي... وغيرها من الأعمال المنزلية. ولقد تم تكريس هذه الأدوار من خلال عملية التنشئة الاجتماعية؛ التي كرست حالة اللامساواة هذه في مجال العمل ثم انسحبت على باقي مناحي الحياة مما أوجد فجوة نوعية بين الرجال والنساء. ومن هُنا سعت النسويات إلى تجسير تلك الفجوة النوعية عبر آليات عدة عُرفت "بالنضال النسوي"؛ الذي يُشير إلى الخروج من الدوائر الضيقة التي وضعت فيها النساء عبر التاريخ. انتقلت قضية النضال النسوي إلى الأدب وذلك من أجل التصدي للبُنى الفكرية والاجتماعية القائمة على قهر النساء باعتبارهن فئة أدنى من الرجال، ومن ثم سعى النضال النسوي إلى العمل على تعزيز وضع النساء الاجتماعي في كافة المجالات.

   وفي إطار النضال النسوي عبر الأدب، كتبت سحر الموجي رواية "دارية" عام 1999م، وهي رواية اجتماعية تسرد فيها قصة فتاة مصرية تُدعى "دارية" تَعيش الحلم وتعشق الحرية. جعلت الكاتبة من اسم البطلة عنوانًا لروايتها ويعني اسم دارية، أن تكون على دراية ووعي بأحوالها؛ فالاسم يوحي برسم خط سير حياتها للمُستقل وهو الخط الموازي لكونها زوجة وأم، الأمر الذي تمناه والدها أن تكون عليه مُنذُ ولادتها، حيث منحها اسم "دارية" وقد أكدت دارية ذلك حينما سُئلت عن سبب تسميتها بهذا الاسم قائلة:

     "أبويا كان نفسه يخلف بنت. مش أي بنت. لأ. بنت فاهمة ودارية. عندها مخ بتشغله. وأمي حامل سافر الهند في بعثة دراسية وقابل هناك بنات اسمهم داريا. يعني نهر. هتلاقي في آسيا الوسطى نهرين "أمو داريا" و"سير داريا". حب الاسم بس قال ولو "دارية" بالعربي معناه أجمل. بس أنا برضة باحب أكون نهر" (الرواية، 2009: 101).

      قسمت الكاتبة الرواية إلى أربعة فصول: جعلت العتبة النصية لكل فصل بمثابة مُفتاح لقراءته. جاء الفصل الأول يحمل عنوانًا: "في محارة الروح"، تُشير محارة الروح إلى غرفة دارية التي شهدت آلامها ومُعاناتها من حياة زوجية تعيسة تُكبلها وتخنق طموحاتها. ففي هذا الفصل نتعرف على شخصيات الرواية المُتمثلة في: دارية الشخصية المحورية، وسيف زوجها، وطفليهما أمينة وجاسر، وشخصيات أخرى لعبت أدوارًا ثانوية في الرواية إلا أن أدوارهم كان لها كبير الأثر في حياة دارية كشخصية الأب، وهناء وهادية صديقتيها، ومديرة المدرسة، ونور الفنان التشكيلي الذي تعرفت عليه بعد سفرها في بعثة إلى ألمانيا. ويعرض الفصل الشخصيات وعلاقتها ببعضها البعض، لذا كان الحديث على لسان الشخصية المحورية (دارية) والمُحيطين بها، وفي بعض الأحيان على لسان "الراوي العليم" وهو شخصية خارجية مُتخيلة يعلم كل شيء مُتعلق بـ "دارية" وسلوكها وأفعالها وأقوالها، وحالتها النفسية والعاطفية. كما يعرض الفصل لتفاصيل حياة دارية الزوجية والدور التقليدي الذي تقوم بِهِ مع الزوج والأبناء، واهتماماتها الأدبية من قراءة وكتابة الشعر وأثر خطابات أبيها التي تحوي روح أمُها المُتوفاه في نفسها وتشجيعه المُستمر لها على الإطلاع والمعرفة وتحقيق الذات.

      وفي نهاية الفصل ترسل دارية خطابًا لأبيها تشكو له مُعاناتها اليومية مع زوجها وتشرح له كيف أصبحت الحياة بينهم شبه مُستحيلة، فيرد عليها في خطابه قائلًا: "اشمخي برأسك حتى عنان السماء. ولا تغفلي عن أن ربك القوي لا يحب الضعفاء. املئي صدرك بسر الحياة. وتيقني أنك في حضرة الله الذي سَوَّك حرة. وأن هذه الحرية أمانته التي حملتها بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، وقولي لمن يعترض الطريق لا ولا ولا" (الرواية، 2009: 47). وهُنا يظهر اختلاف السلطة الأبوية التي يُمارسها الزوج على زوجته عن الأب على ابنته فالأب دائمًا يكون الداعم والمُساند لابنته يرشدها ويمنحها الإحساس بالأمان، والثقة والتوازن النفسي، وينتهي الفصل بترك دارية منزل الزوجية بعد حوار حاد مع زوجها، وقبل أن تُغادر البيت أبلغت ابنتها أنها بحاجة إلى قضاء بعض الوقت بمنزل جدها "والد دارية".

       ونظرًا لاهتمام الكاتبة بالفلسفة وقراءة الأساطير، جاء الفصل الثاني، بعنوان: "آلهة بيضاء" استحضرت فيه الكاتبة بعض الآلهة المصرية القديمة، فكلما حضرت "نفتيس*"، إلهة الكتابة، تمكنت "دارية" من كتابة شعر جديد يُساعدها في الخروج من قوقعتها الخانقة. فقد كانت الكتابة هي السبيل الوحيد لانعتاق الروح واسترداد الذات والخروج من الحياة الزوجية المشحونة بالتوتر. فقد كان هذا الفصل يُشكل الخروج من القوقعة المُغلقة، حيث تترك دارية بيت زوجها وتعود مرة أخرى لبيت أبيها المكان الذي تجد فيه ما يمدها بالقوة، تبحث عن ذات أخرى تحتويها وتساعدها على تحقيق حلمها، تلتفت مرة أخرى لمُستقبلها واهتماماتها الأدبية.

      أما الفصل الثالث، والذي يحمل عنوان: "مُهرة"، ويُشير العُنوان إلى المرأة الحُرة أو المرأة ذات القيمة الغالية أو الشجاعة القادرة على اِتخاذ قراراتها. وفي هذا الفصل تبدأ دارية في تحقيق ذاتها فتلتحق بدبلوم النقد الفني ويزداد اهتمامها بالشعر، وتتقدم لمنحة دراسية لألمانيا وتُسافر دون تحكمات ومحاذير زوجها، وفي ألمانيا تنفتح على ثقافة جديدة تُحررها من سلطة التقاليد وتُشعرها بالحرية التي حُرمت منها وتُصبح طليقة مُبتسمة مُقبلة على الحياة. وهُناك تتعرف على نور، الفنان التشكيلي، الذي عرض عليها أن يرسمها بعد أن ناقشته في الأعمال الفنية التي شاهدتها بمعرضه. تكررت لقاءاته بِها إلى أن نشأت علاقة بينهما خاصةً بعد أن علم بُمشكلاتها مع زوجها الأمر الذي مكنه من الاقتراب منها. حاول نور أن يعوضها عن حياتها السابقة مع زوجها. دفع نور دارية إلى مُمارسة السباحة، وإلى الكشف عن جسدها لكي يرسمها ويُراقب تفاصيل جسدها بحرية لُيخرج الأنثى من سجنها.

      وأخيرًا، يأتي الفصل الرابع، بعنوان: "سِخمت* إلهة القوة والحرب، وهذا يدُل على امتلاك دارية القوة والحرب ضد حياة يسودها القهر، وفي بداية الفصل تتلقى دارية إنذارًا بالطاعة بعد أن عادت من بعثتها، وهُنا تقرر دارية أن تُنهي علاقتها بسيف وتسعى لطلب الطلاق. وفي هذه الأثناء تُسافر مع نور إلى المنيا، حيث يكون مرسمة الخاص الواقع في عُشة على نيل المنيا. وبعد قضاء فترة قصيرة من الوقت استمتعت فيها من الوجود معه وبقدر من الحُرية التي لم تُتَح لها من قبل تكتشف بعدها أن علاقتها بنور لن يُكتب لها الاكتمال خاصةً وأنه أعرب عن عدم رغبته في الزواج منها بعد أن تترُك زوجها. عَادَت دارية من المنيا وقد شعرت بخيبة أمل وقررت أن تتخلص من كُل مشاكِلها ومن علاقتها مع الرجال بالعودة إلى تحقيق حُلمها الذي عجزت عن تحقيقه مُسبقًا وهو أن تستكمل دراستها للنقد الفني الذي سيُسَاعدُها على تنمية مَهاراتِها في الكتابةِ. وتسعى للسفر إلى لبنان لحضور مؤتمر شعري ولكنها تجد نفسها ممنوعة من السفر بأمر من الزوج. تنتهي الرواية بحلم دارية وهي تُمسك بورقة وقلمِ لتبدأ في الكتابةِ.

    وهكذا، تكشف الرواية من بدايتها عن تمرد امرأة عاشت حياة زوجية نمطية مُضطربة، تقوم بمهام تقليدية مفروضة عليها كزوجة، وأم لطفلين (أمينة وجاسر)، وامرأة عاملة تعمل مُدرسة في مدرسة. لم يُخرجها من هذه الحياة النمطية سوى كتابة الشعر. عاشت دارية حياة مليئة بالعواصف مع زوج يختلف عنها فكريًا وغير مُتفهم لقدراتها، لا يقيم لعملها ولا مواهبها وزنًا، على الرغم من أنها اختارته بنفسها لكنها لم تستطع تحمل عواقب اختيارها. سعت كثيرًا لحل مشاكلها لكن كل مُحاولاتها باءت بالفشل فقررت الخلاص من هذه الحياة والتعبير عن ذاتها وحضورها في مواجهة مُجتمع ذكوري يُمارس عليها القهر والظلم والحرمان من مواهبها.

      هذا؛ وقد حاولت الكاتبة أن تُبرز مظاهر التحرر عبر عدة تجليات من التمرد: التمرد على النظرة الدونية للمرأة التي وضعتها في قوالب جامدة من قِبل رجل ديكتاتوري ظل يُمارس سلطته عليها، التمرد على سلطة التقاليد والأدوار النمطية للمرأة. التمرد على روتين الحياة اليومية الذي يحرمها من مُمارسة الأنشطة التي تُحبها والأنشطة الأخرى التي تسعى إلى تعليمها. كما تُشير الرواية إلى مجموعة من القضايا التي تهم المرأة بصفة عامة.

  1. مظاهر التمرد وآليات المواجهة كما جاءت في الرواية:
  • التمرد على النموذج التقليدي للمرأة:

    ركزت الرواية على تقديم الصورة التقليدية النمطية للمرأة من حيث كونها زوجة، وأم، وربة منزل، وهي الأدوار التي وضعها فيها المُجتمع وكرستها عملية التنشئة الاجتماعية. لذا حرصت الكاتبة على إدراج عددِ من المُناقشات الساخنة بين "دارية"، التي تُمثل المرأة المصرية، المُدجنة على طاعة زوجها، وبين "سيف" الزوج الذي يُمثل الرجل الشرقي صاحب الآراء التقليدية المُتحجرة الذي يعمل موظف حسابات بأحد الشركات ولا يتعامل معها إلا في صورة أرقام وهو ما يعبر عنه الراوي بقوله: "تأزمت علاقة "دارية" و"سيف". كان واضحًا منذ البداية أنه لا يوجد ما يربط بين هذا الرجل وتلك المرأة. هو يعمل مع الأرقام. ويعيش أيضًا بالأرقام. ا+1= 2، يستطيع إنسان عاقل إنكار هذه الحقيقة. لم يستطيع أن تواجهه برأيها. أن تقول بصوت عادي حالِ من الانفعال إنها تعتقد أن 1+1=1" (الرواية، 2009: 9). ظلت دارية على هذا الوضع مع زوجها فترة طويلة إلى أن أرادت أن تُعبر عن حريتها ورفضها لقيود التي يُحاصرها بها زوجها والتي تحد من حريتها وتقرر أن تختار لحياتها ما تراه الأفضل، وهُنا تُحاول الكاتبة أن تُراعي في ذلك التطور الذي طرأ على وضع المرأة لتتسق المُناقشة مع الزمن الروائي للرواية بحيث لا يكون هُناك أي مُفارقات تاريخية. فالمرأة في فترة التسعينيات، زمن كتابة الرواية، أصبحت أكثر يقظةً وفهمًا لمكانتها وأشد وعيًا بحقوقها، وأفضل اكتشافًا لذاتها، وأكثر تمردًا على أداء أدوارها التقليدية. وهُنا اتخذت دارية من الفعل الكِتابي وسيلة لبناء ذاتها؛ فقد لجأت لكتابة الشعر والقراءة في القضايا الشائكة التي لم يتثنى لها قراءتها في أوقات سابقة. ويُعد ذلك اِنسجامًا مع أيديولوجية الفكر النسوي المُتخذ من الإبداع وسيلة لتحقيق الوعي الذاتي وسبيل للانفصال عن الآخر؛ ولهذا تُعطي الكاتبة عدةً صور لوضع المرأة فجعلت لكل صورة وظيفة ومُهمة مُحددة ودور يجب عليها القيام بِهِ. طرحت سحر الموجي صورة لوضع المرأة التقليدي المُتقوقعة حول ذاتها مسلوبة الإرادة التي تتعرض لسلسلة من الصراعات التي تجمع بين أمومتها ورعايتها لأبنائها والأعمال المنزلية المُلقاة على عاتقها، ويظهر ذلك في الرواية حينما وصف الراوي السارد لأحداث الرواية حياة دارية في سنوات زوجها الأولى، قائلًا:

      "قضت السنوات الأولى من زواجها في حالة مصحوبة باعتذار دائم. تعتذر أنها لم تقم بإزالة التراب- الآتي من مصنع أسمنت حلوان والمحاجر- على الوجه الأكمل. أن الطعام كان زائد الملح. أنها ضحكت بتلقائية مع زملاء العمل. كان اعتذارها مصحوبًا بمحاولات دؤوب أن تحسن من نفسها. بدأت تحاسب دارية بمنطق الأرقام. كانت النتيجة غالبًا بالسلب" (الرواية، 2009: 10). تكشف الرواية عن أدوار المرأة في الحياة اليومية، ومدى مُعاناتها والمسئوليات المُلقاه على عاتقها، واللوم والعتاب الذي تتعرض له دائمًا من زوجها على أبسط الأمور، هذا بالإضافة إلى عدم الاعتراف بالجهد المبذول منها اتجاه بيتها ومع أبنائها. وبالرغم من تلك المُعاناه والمُتاعب التي كانت تُعاني منها دارية إلا أنها كانت تتخطاها بالحرص في الحفاظ على بيتها ومدى حُبها لأبنائها ويتضح ذلك في قول الراوي: "تحرص دارية على تدريس الحصص الأولى حتى تعود من المدرسة قبل موعد "أمينة" و"جاسر" بوقت كافي لإنهاء المهمات اليومية. تزيح التراب من فوق خشب الكنب الأرابيسك البني الذي صممتها بنفسها. والفوانيس النحاسية المفرغة. تلقي ضوءًا مستترًا على لوحات مرسومة بالفحم لحي المغربلين وبوابة المتولي. هدية "هادية" لها بعد ولادة جاسر. تشعر بالسعادة عندما تستنشق رائحة الغسيل المعلق على الحبال الصفراء الطويلة" (الرواية، 2009: 13).

      كما تحاول الكاتبة أيضًا أن تكشفت من خلال الرواية أحداث وأسرار تُخفيها دارية بطلة الرواية عن زوجها، فتحاول أن تقوم بمهامها مهما واجهتها من صعاب وتحديات. يتضح ذلك حينما تصفها هناء، صديقتها، قائلة: "أنت عاملة زي المكوك يا دارية. خمسين شغلانة في وقت واحد" (الرواية، 2009: 14).

      علاوةً على ذلك، عبرت الكاتبة عن مشاعرها، ومدى الوعي الذي ينمو بداخلها: الوعي بأهمية الأدوار، والوعي بمدى القهر الواقع عليها من سيطرة الزوج، فأصبحت غير راضية عن وضعها، تعيش مُستسلمة لحياة مفروضة عليها، تشعر بالتمزق من حياة تُعاني فيها من الظلم والقهر، تعيش حياة تنعدم فيها البهجة وتفقد فيها لذة الشغف، وما ترتب على هذا القهر من مُقاومة أدت إلى إقامة معارك خاضتها دارية ضد زوجها للحصول على حريتها واستقلالها فتمردت على العادات والتقاليد، والتمرد على روتين الحياة اليومية الذي يحرمها من مُمارسة الأنشطة التي تُحبها والأنشطة الأخرى التي تسعى إلى تعليمها، والتمرد على الخوف الذي يعتريها، فيعبر عن ذلك الراوي بقوله:

       "لم تكن تدرك أن بذرة وعيها كانت تنمو في اتجاه مختلف إلا عندما يحتد الجدال إن حاولت الدفاع عن رأي لها" (الرواية، 2009: 16). حاولت الكاتبة أن تُعالج بعض قضايا المرأة في ضوء المشاكل التي تواجه بطلة الرواية مع زوجها وخلافاتهم المُستمرة لسيطرة الرجل على زوجته بحُكم جنسه والتقليل من شأنها، ويتضح ذلك بقول الزوج: "داري. إنت محدودة القدرات يا حبيبتي. مش عايزة تحسني من نفسك. يظهر إن أنا اللي لازم أقبل ضعفك وأتعايش معاه" (الرواية، 2009: 36)، وفي موضع آخر تقول: "لم تستطع دارية أن تكبح انفعالاتها في مثل هذه المواقف. أثناء هذه الحوارات المتكررة. كانت تحاول إفهامه أشياء تحسها بصدق. تفشل لم تستطع يومًا أن تحدد مكان الفجوة الصحيح. هل هي غير قادرة على إفهام سيف ذاتها؟ هل ذاتها بهذا التعقيد؟ أم أنه لا يملك جهازًا يمكنه استقبال موجات إرسالها؟" (الرواية، 2009: 20).

        كان التمرد الذي لجأت إليه دارية هو مُجرد مُحاولة فردية لتغيير الواقع الاجتماعي وتغيير نظرة الرجل عن المرأة، على الرغم من أن هذه المحاولة قد تكون فاشلة بسبب فرديتها لأن تغيير الواقع يحتاج إلى ثورة، ولكن دارية على الرغم من ما واجهته من تكرار للفشل غير أنها واصلت تمرُدها دون أي توقف للدرجة التي أغضبت سيف "زوجها" منها.

      وفي اللحظة التي شعر سيف بتمرد دراية أعلن فيها عن غضبه قائلًا: "هو مش بيتك أولى. يعني كل اللي وراك خُلُص خلاص؟" (الرواية، 2009، 16). وفي موقف آخر، ينصح سيف ابنته أمينة ذات السنوات الثماني بقوله: "أمينة قومي أقفي مع ماما في المطبخ. اتعلمي لك حاجة تنفعك" (الرواية، 2009: 20). لم تستطع دارية أن تكبح انفعالاتها في مثل هذه المواقف وأثناء تلك الحوارات المُتكررة، كانت تحاول إفهامه بأن هُناك أشياء تحسها بصدق ولكنهُ لم يفهمها، فهو دائمًا ما كان يُفسر الحياة من وجهة نظره الذكورية التي تربى عليها، النظرة للمرأة في إطار الأدوار الأسرية، فالأسرة هي المفهوم الأسمى والأشمل، والمرأة وجدت كي تحقق هذا المفهوم من خلال القيام بأعبائها المنزلية والأسرية.

     هكذا كانت عيشة دارية، المرأة المقهورة مسلوبة الإرادة التي تحاول أن تخرق التقاليد بل وتكسرها. لذلك رفضت أن تكون كالقطيع الذي يقوم برعايته وتوجيهه، فهو الراعي الذي ينتقص من قدراتها وحبها لمواهبها في الشعر والرغبة في العلم قائلًا:

     "مشكلتك إنك منفصلة عن الواقع. ربنا يستر على الأولاد"، "مجرد كلام وأفكار نظرية بتشدك لعالم غير موجود. أنا شخصيًا أحب أوصل للمعرفة بنفسي من غير وصاية ناس ما اعرفهمش. المعرفة العلمية أهم. تفتكري واحد من اللي أنتِ مبهورة بيهم دول بيفهم في أي مجال من مجالات الحياة العملية، غير المجال النظري الضيق اللي حاصرة نفسك فيه؟" (الرواية، 2009: 28).

      على الرغم من نجاح "دارية" في حياتها الزوجية؛ حيث كانت تقوم بمهامها كزوجة وأم وربة منزل، غير أن سيف دائمًا ما كان يرفض كل ما تفعله؛ يرفض ميولها ورغبتها وتحقيق طموحها، يرفض حُبها للشعر والموسيقي والفن ويسعى جاهدًا لإحباطها والحط من قدراتها، وإن من يسعى لإفهامها غير ذلك فأنه يخدعها، لذا يعنفها قائلًا: "داري. إنتِ محدودة القدرات يا حبيبتي" (الرواية، 2009: 36). وفي موضع آخر: "مالكيش وجود خارج الأسرة. إنتِ بتكتبي الشعر تحت تأثير أزمة. علشان تهربي من الواقع (الرواية، 2009: 62). كما يرفض حتى علاقتها بصديقتيها "هادية وهناء" اللتان كانتا تُشجعانها على تحقيق ذاتها وتطوير مهارات أبنائها من خلال دعوتهم  لتعلم السباحة في فيلا هادية، واعتبر أن ذلك بمثابة ذريعة لتحقيق ما تصبو إليه لذلك كان يرفض ذلك قائلًا:

   "إنت واخدة الأولاد تلكيكة. كل اللي يهمك هو إشباع الوحش اللي بيعربد فيك. الرغبة إنك تقري كل شيء وتقابلي اللي يوافقك في آرائك. ده إن ما كانوش هم اللي بيزرعوها في رأسك. بتحبي صاحباتك علشان بيدوكِ الإحساس إنك صح" (الرواية، 2009: 32).

      تبدو النظرة السلبية مُتأصلة في فكر سيف، زوج دارية، الذي يُحاول أن ينتقص من قدراتها ويحط من شأن الثقافة التي تدعو إلى تقدُم المرأة وتطورها، فدائمًا ما كان ينظر سيف في عينيها قائلًا:

    "ماذا تخبئين هذه المرة؟ كتبًا! أوراقًا! أفكارًا! هذه الأشياء تأكل منك وأنت ملك لهذه الأسرة. لماذا لا تقرئين علم نفس الطفل مثلما تقرئين أشعارًا وروايات؟ لماذا تتركينني دومًا أحس بعدم الأمان؟ لم تكن أمي يومًا مصدرًا لقلق ما. لم يكن يزاحمني يها شيء آخر" (الرواية، 2009: 35).

     وفي إطار اهتمام الكاتبة بقضايا المرأة، لمست العديد من القضايا التي تمس التقاليد التي تم تكريسها في المُجتمع، ولا سيما تلك التي تؤسس لتبعية النساء للرجال ومن ثم انعدام المساواة  بينهم. ويُعد هذا تأكيدًا على الفكرة الجوهرية للتيارات النسوية، خاصةً تلك المُنادية بتحقيق المساواة بين الجنسين، من أجل أن تتماثل مكانة المرأة مع مكانة الرجل في كافة الحقوق والواجبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إطار مُجتمع ينهض ببنائه (Beast Chris, 1999: 26). وجدت الكاتبة أنه على الرغم من تغُير وضع المرأة في المُجتمع، إلا أن الفصل الصارم بين أدوار كل مُنهما ما زال قائمًا، ولا سيما في المجال العام، حينما أرادت دارية أن تشترك في حفلة المدرسة بنص شعري اعترض سيف على الحفل واتهمها بحبها لنفسها قائلًا: "بتبتدي بنفسك كالعادة. أولوياتك مترتبة بشكل أناني. اليوم كام ساعة. تفتكري إزاي تكوني أم وزوجة ومدرسة وشاعرة عايزة تغير الكون في نفس اللحظة؟ صاحب بالين كذاب. وصاحب ثلاثة.." (الرواية، 2009: 50). وفي موضع آخر: "أخبرها سيف بنبرة غاضبة إنها لا تريد أن تَتَغير. بل إنها تزداد عنادًا يومًا بعد يوم. كان يلوم نفسه على ما وصلت إليه. كان لينًا معها أكثر مما ينبغي. النتيجة أن عقلها يزداد انشغالاً بالكُتب وكتابة الشعر ولوحات هادية. صحيح أنها لا تُقصر في واجباتها. لكن عقلها لم يُصبح ملكًا للأسرة. لا بد أن يصلح ما أفسدته يداه. "يعدل الحال المايل" كما وعد أمه. دارية لن تَتَشبث بلعبتها إن ذاقت مرارة الحياة بدون أولادها: أنا عايز زوجة وبس"... "أنا كُنت فاكر الموضوع مُجرد هواية. طلع أنك فاكره نفسك نجيب محفوظ جديد الحياة ما تتسعش لكل ده" (الرواية، 2009، 53).

     لذلك، وعلى مدار الرواية، حاولت الكاتبة أن تجعل من تمرد دارية وسيلة لكسر التابوهات المُكرسة في الثقافة، ومن الكتابة الشعرية سلاحًا ناعمًا لمُحاربتها؛ لأنها تؤمن أن الكتابة بمثابةً سلاح لتحقيق ما تصبو إليه، واعتبرتها وسيلة للتعافي من الأزمات، وطريقة لإشباع حرمانها العاطفي الذي افتقدته. ورغم ذلك، لم يترك الزوج لها حُرية استخدام هذا السلاح، رغم نعومته، فكان دائمًا ما يوجه لها اللوم بقوله:

  "أنا ما بحترمش المثقفين دول. فاكرين نفسهم يعرفوا كل حاجة. مجرد كلام في الأدب والسياسة وشوية أبيات بيرددوها زي البغبغانات، وتلاقيهم في أمور الحياة العملية ما يعرفوش حاجة. اتفرجي على واحد من دول لما عربيته تعطل. يضرب لخمة. لا هيعرف يصلحها. ولا الميكانيكي هيعمل له شغل مظبوط لأن شكله غشيم، الثقافة زي الدروشة. اِنغلاق العقل على جانب واحد نظري. والباقي صفر" (الرواية، 2009: 29). عانت دراية من كل صور القهر المُتمثلة في: اللوم والعتاب، حرمانها من مُمارسة مواهبها وتحقيق ذاتها، عدم الاعتراف بالجهد المبذول منها، وفي مقطع آخر حينما وجدها تقرأ كتاب عن "السياسة الجنسية" لكيت ميليت سألها: كتاب إيه ده؟ فترد عليه قائلة:

     "مش كتاب فاضح. ده بيناقش تاريخ الحركة النسائية في الغرب في الستينيات. حرب المرأة للحصول على حق التعليم والتصويت... فيرد بقول: أنت مش مدركة تأثير الكتب دي عليك. تقري كتاب وتتحولي 180 درجة كأنه غير عقلك". (الرواية، 2009: 46).

      كثيرًا ما كانت دارية تشعر بالإساءة، لذا كانت تُريد أن تعيد قراءة واقعها في ضوء ما كانت تتابعه عن الحركة النسوية، خاصة ما يتعلق بالعلاقة الجنسية وتحكم الرجل في هذه العلاقة. ففي قراءتها لكتاب الأديبة النسوية "كيت ميليت Mllett Kate" عن السياسة الجنسية Sexual Politics الذي كان يُناهض الهيمنة الجنسية من قِبل الرجال على النساء ويسعى لتفسير تصوير النساء في النصوص الأدبية بأسلوب يدعو إلى كراهيتهن وتصويرهن بصورة بها ازدواجية مُفرطة فهن في جميع الأحوال، إما عاهرات أو عذراوات، باردات أو مُفرطات في الشبق، عفيفات أو فاسقات. لذلك ترى ميللت أن لهذه الصور المزدوجة وظيفة؛ فهي تُبرر الهيمنة الجنسية للذكور من ناحية، والعنف والإكراه اللذين يستخدمونهما للحفاظ على تلك الهيمنة من ناحية أخرى (بام موريس، 2002: 48-49). ولعل قراءة دارية لكتاب ميليت هي التي جعلتها ترفض هذه الصورة النمطية التي تُصور بِها المرأة؛ ترفض الصورة التي تُقلل من قيمة النساء وتحاول أن تخرج من عالمها الضيق، الذي لا يُقاس بمواهبها وطموحاتها وتطلعاتها المُختلفة.

     وعلى الرغم من سعي دارية الدؤوب لتغيير وضعها، غير أنها مِرارًا وتِكرارا ما تواجه بمقاومة زوجها ويظهر هذا في حوار سيف مع دارية التي تعجز عن مواجهته، فياتي الكلام على لسان الراوي:

     "لم تكن المواجهة من طبائع دارية. لا لشيء إلا لكونها لم تكن تعرف. لكن في سنوات زواجها الأولى من سيف لم تكن تعرف أنها لا تعرف. كانت فتاة طيبة وديعة تسعى للحصول على إعجاب الأخرين، على مباركتهم لمحاولاتها الدؤوب أن ترضيهم" (الرواية، 2009: 9).

      جسدت الكاتبة حياة الكثير من النساء اللاتي يُعانين من مشاكل في الحياة الزوجية، حياة مقهورة تُعاني فيها المرأة من العديد من القيود المفروضة عليها تحاول بعضهن أن تحصُل على رضا الزوج والأخرين تُعاني من قيود تسلبها القدرة من إمكانية اكتشاف وضعها الحقيقي لذاتها، تُحاول دارية أن تُعبر عن نفسها وتنمي موهبتها الإبداعية في الشعر والقراءة، لكن زوجها كان يرفض ذلك رفضًا قاطعًا. بقوله عن الكتب:"مجرد كلام وأفكار نظرية بتشدك لعالم مش موجود" (الرواية، 2009: 28). وفي موضع آخر: "أنا كنت فاكر الموضوع مجرد هواية. طلع أنك فاكرة نفسك نجيب محفوظ جديد" (الرواية، 2009: 53).

      وهكذا أصبح الزواج بالنسبة لها مثل القفص الحديدي وهي كالطائر المُكبل داخل هذا القفص، لا تنتقد دارية نظرة زوجها لها كامرأة وإنما تنتقد القيم الذكورية التقليدية لهذا المُجتمع، القيم التي جعلتها أسيرة لثقافة مُجتمع يمنح الرجل القوة والصرامة في التحكم، والمرأة ما هي إلا ملاذ للرجل. وبهذا تؤكد الكَاتبة على أنه مازال الاهتمام بالحديث عن قهر المرأة من الموضوعات البارزة التي أولتها التيارات النسوية أهمية قصوى. وهي من أهم القضايا التي تناولتها العديد من الكاتبات النسويات، في إطار الحديث عن السلطة الأبوية. وبناءً عليه تمزقت الأوتار المشدودة بين دارية وسيف نتيجة للقيود التي فرضها عليها سيف لا أصدقاء. لا تليفونات. ولا قراءة ولا كتابة شعرت أنها تعيش حياة خالية من السعادة مع رجل يسعى دائمًا للاستحواذ عليها.

    وفي مُقابل الخضوع، قد نجد التمرد يأخذ حيز مُهم في العلاقة بين طرفين، طرفًا منهُما يُمارس قوةً وضغطًا وسيطرةً، والطرف الآخر ضعيف، خاضع، خانع؛ لأن الثقافة السائدة هي من وضعت كلا الطرفين في هذه العلاقة التي تجعل دائمًا الطرف الأضعف دائمًا ما يُعاني من الشعور بالعزلة والضياع في بعض الأحيان. هذا ما دفع دارية للتمرد على القيم والعادات والتقاليد فرفضت الواقع المُعاش؛ وحاولت أن تتمرد على قمع السلطة الأبوية المُتمثلة في الزوج والدور التقليدي المُوكل إليها فترفض سيطرة سيف عليها، وترفض أن تتعامل على أساس النوع، وإنكار ما لها من قدرات وإمكانات تُسهم بصورة إيجابية في المُجتمع. وتسعى في النهاية إلى التحرر من قبضة تلك السلطة.

  • التحرر من قمع السلطة الأبوية

     في مُقابل النموذج النمطي التقليدي للعلاقة بين الرجل والمرأة (الزوج والزوجة)، قدمت سحر الموجي نموذجًا آخر مُغايرًا عن الصورة التقليدية للمرأة مسلوبة الإرادة، وهي المرأة الطموحة المُبدعة الواعية لتغيرات مُجتمعها، أرادت أن تُقدم الكاتبة من المرأة نفسها نموذجًا آخر يتحرر من تقاليد وقمع السلطة الأبوية. صورة تُواكب تطورها العقلي والفكري، صورة تُحافظ فيها على مواهبها، وإبداعاتها، وتُمكنها من تحقيق كيانها كإنسان مُستقل. ويظهر ذلك بصورة جلية في ثورة دارية على زوجها الذي كان يقهرها نفسيًا وما ترتب على هذا القهر من مُقاومة أدت إلى إقامة معارك خاضتها دارية ضد زوجها للحصول على حريتها واستقلالها فتمردت على العادات والتقاليد، وتمردت على روتين الحياة اليومية الذي يحرمها من مُمارسة الأنشطة التي تُحبها والأنشطة الأخرى التي تسعى إلى تعليمها، وتمردت أيضًا على الخوف الذي كان يعتريها أثناء مناقشة زوجها حينما أراد أن يجعلها تعدل عن قرار الانفصال وتعود لمُمارسة حياتها الطبيعة في بيتها ومع أبنائها إلا أنها رفضت بشدة طلب زوجها، قائلة:

       "ما تأملش يا سيف. أنا بكلمك بأمانة. ما تأملش...أنا حاربت كل السنين الي فاتت علشان شوية هوا أكتر من اللي بتتنفسه واحدة ست عادية. زوجة وبس. جاي دلوقتي تحرمني حتى من الحد الأدنى ده. مش ممكن تقهر إنسان بالشكل ده يا سيف وتفضل فاكر إنه هيحبك" (الرواية، 2009: 54).

      اتخذت دارية من التمرد موقفًا رافضًا لوضع المرأة، كما رفضت القيام بسلوكيات ممنوعة رغم كل الضغوط الاجتماعية المفروضة عليها في أن تظل امرأة مسلوبة الإرادة تقبل الإهانة من أجل أن تُحافظ على بيتها وتقوم برعاية أبنائها في ظل مجتمع شرقي ينظر للمرأة المطلقة نظرة سلبية، ويصفها بأنها غير حكيمة وأنانية، وكأنها ارتكبت جرمًا أو فاحشة، نتيجة فهم خاطئ للعرف الاجتماعي، وعاشت حياة يملؤها الصراع، صراعًا مع زوجها الذي حرمها من أولادها كما حرمها من مواهبها وتحقيق حلمها، وصراعًا مع ذاتها الداخلية التي رغبت في أن تقضي على كل هذا العبث وتركز على تحقيق ذاتها بعيدًا عن قهر وقمع السلطة المفروضه عليها.وقد جاء أيضًا الكلام على لسان الراوي:

      "بدأت دارية تطُل برأسها خارج محارة الروح. تستنشق فرحًا خفيفًا لمذاق حياة أخرى. تعلم أن الزمن سيخفف من قسوة الجرح. سيفسح مكانا لحياة أرحب ستزور فيها أماكنها. وسترى من تحبهم دون لوم أو تقريع بسبب وبدون" (الرواية، 2009: 59). وتبدأ دارية إعادة النظر في حياتها مرة أخرى وتتحول الطاقة السلبية التي كانت تحاوطها إلى طاقة إيجابية تستعيد من خلالها توازنها النفسي والاجتماعي والحياتي، وتُعيد التفكير بشكل جدي لتطوير مُستقبلها.

      فحين تركت دارية بيت زوجها وعادت لبيت أبيها مرة أخرى، وجدت الحرية التي طالما حلمت بِها، لذلك رفعت راية العصيان وراحت تُقاوم ضعفها لكي تُصبح إنسانة لها الحق في تقرير مصيرها. ويُشير الراوي إلى ذلك بقوله: "دارية تقاوم ضعفها. تُكرر على نفسها بصوت مسموع أن حربها لم تكن من أجل وجودها كشاعرة فحسب، بل كإنسانة لها الحق في اختيار ما تقرأ وما تكتب ومن تصادق" (الرواية، 2009: 63).

      ومن المُلاحظ أن الراوي يتحدث عوضًا عن دارية عندما تعجز عن الحديث. وانطلاقًا من النسوية، تُحاول الكاتبة أن تتبنى أكثر من وسيلة للتعبير عن التمرد؛ فتارة يأتي التمرد على لسان دارية نفسها، وتارة أخرى على لسان الراوي الخارجي ويتثق ذلك مع الآليات التي تنتهجها النسويات للتعبير عن التمرد. وتستحضر للقارئ عدة نصوص مشحونة بالِاعتراض والرفض عن وضعها في مُجتمع يعلي من سلطة الرجل وهيمنته على المرأة، وسلبها مكانتها وكيانها الاجتماعي. ولكن بعد تمرد دارية واعتراضها على معاملة زوجها لها، وجدت التشجيع من والدها وزميلاتها في العمل لتحقيق ذاتها والتأكيد على ما لها من مواهب وقدرات تُساعدها على تحقيق حلمها. جهرت دارية بحقها عاليًا دون تردد ولا خوف بدأ تمردها برحيلها من بيت زوجها غير عابئة بما سيُقال عنها، تجاوزت أوامره ورفضت الاِمتثال له، أرادت أن تبحث عن دارية الإنسانة القوية المُستقلة، تمردت دارية رغم الخوف الذي يعتريها نتيجة البُعد عن أبنائها وتحطيم بيتها الذي حُرمت فِيه من السعادة الزوجية. عادت لبيت أبيها  الذي لم يلقِ عليها آية أعباء ولا مسئوليات والذي شعرت فيه بالدفء والطمأنينة التي حُرمت منها في بيت الزوجية:

      "تتذكر أن الجدران في بيت أبيها هواء. أنه لا يلقي عليها بأي أعباء أو يطالبها بأية مسئوليات. "عايزك تحافظي على دارية وبس" (الرواية، 2009: 60).

      وهُنا تؤكد الرواية على أن السلطة الأبوية ليست دائمًا سلطة قاهرة، خاصةً فيما يتعلق بعلاقة الأب بأبنائه، وأن نمط  تنشئة الأب هو الذي يُحدد نمط الشخصية، خاصةً شخصية النساء، ولعل هذا ما جعل "دارية" تبحث عن نمط آخر من الرجال، نمط يشبه أبيها الذي منحها كل ما يتمتع بِهِ الذكور. لذلك رفضت الاستسلام لسلطة الزوج، رفضت أن تقبل شروطه في أن تحيا حياة تقليدية لمُجرد أن تكون زوجة تُمارس أعبائها الأسرية وتلغي شخصيتها، رفضت ذلك بكل قوة أن تخضع لسيطرته كما كان يفعل من قبل، وقفت شامخة ثائرة في وجه من يحاول كسرها أو يسيطر عليها...إلخ، وقاومت كل مظاهرها حتى المُعلنة الواضحة كطريقة الكلام، لغة الجسد التي تنم عن التعالي والإحساس القوة والغطرسة. مزقت حاجز الخوف الذي كان ينتبها، حققت ما كان مفقود لديها من قبل وأرادت أن تؤسس عالمًا جديدًا يتسم بالتفوق والإبداع، كما تأهبت للدفاع عن نفسها، قائلة:

      "أنت هنا ليه يا سيف؟ سمعتك بتكرر للمرة المليون شكوتك مني، اللي لحد اللحظة دي مش فاهماها. شايف يا عمي. شايف بتكلمني إزاي. شايف نبرة صوتها والطريقة اللي قاعدة بيها حاطة رجل على رجل. طبعًا أنت سعيد بيها.. كلمني أنا يا سيف. إنت هنا علشان تشتكيني والا تصالحني. وإزاي عايز تصالحني وأنت شايف إني مقصرة، عقلي على قدي، مشغولة، باجري ورا النداهة... إلخ. أنتِ كائن ملتبس. إزاي تتوقع من إني أغفر مش بس غسيل مخ السنين الطويلة وأنت بتحاول تقنعني إني غبية، محدود القدرات، ولكن كمان اللي عملتُه بعد ما سبت البيت من منع الأولاد عني" (الرواية، 2009: 80).

       قدمت سحر الموجي في روايتها شخصية مُتمردة رافعة راية التمرد على السلطة الأبوية ومُدافعة عن حُريتها وبقائها في أن تحيا المُتبقي من حياتها كإنسان له الحق في التمتع بعدة حقوق قد يكون مُنع منها لفترة طويلة.

  • التحرر من سلطة الجسد:

      تُعد قضية تحرر الجسد واحدة من أهم القضايا التي أولتها التيارات النسوية اهتمامًا ملحوظًا مُنذُ بدايتها، فقد تطورت الدراسات النسوية حول الجسد بتطور الأفكار النسوية ذاتها، فلم يعُد الاهتمام مُنصبًا في كيفية السيطرة على جسد المرأة في ظل النظام الأبوي، هو القضية الأساسية في الفكر النسوي، حيث تحول الاهتمام إلى فكرة "تحرير الجسد"؛ ذلك الجسد الذي له سلطة على نفسه لأنه تحرر من مُمارسة القهر المفروض عليه، سواء كان هذا القهر اجتماعيًا أم أخلاقيًا أم سلطة طبيب أم كاهن أم قاض وذك تحت فكرة "جسدي ملكي"، أي أن كل فرد له حق التصرف في استعماله واستغلاله (سامية قدري، 2020: 128).

      ومن هذا المُنطلق، قدمت الرواية صورة لشخصية المرأة المُتحررة، التي تُقاوم ضعفها وتكسر خوفها وتواصل مسيرتها بعزم وإرادة من خلال تحرير جسدها. بدأت مسيرة تحرر جسدها بالعودة إلى رقص البالية الذي كان دائمًا ما يشعرها بالحرية والخصوصية، فيصف الراوي ذلك قائلًا:

     "يتحرك جسد دارية. ترقص مع الإيقاع. يمينًا ويسارًا. ترقص لأعلى. لأسفل. تقفز في الهواء. تفرد ساقيها لأعلى. تثنيهما إلى الجنب. ترقص. وتركل. تدفع أشباحًا تحاصرها. تشد ثقلها إلى الأرض. ترقص. تركل نفايات أفكار. تطرحها أرضاء. تهبط فوقها. تسحقها. ترقص وتقفز وتركل. فينسال نهر العرق الساخن على وجه دارية. وذراعيها، وساقيها، إلى الأرض. يغسلها. يجرف معه الغضب وأشباح الأسى" (الرواية، 2009: 71).

      استخدمت الكاتبة الرقص كونه لغة من لُغات الفن التي تؤكد على الإنسانية التي تُحقق مُتعة الأشخاص وتشعرهم بذواتهم، واعتبرته وسيلة لمقاومة الألم فتؤكد دارية على ذلك، بقولها: "قدرتنا على المُتعة في ذاتها تُشير إلى الفعل الإلهي الحاضر الفعال في ذواتنا" (الرواية، 2009: 113).

     فدائمًا ما يبحث الإنسان عن وسيلة غنية ليُعبر بِها عن مشاعره تجاه واقع ما، أو حدث ما قد يواجهه، هذه الوسائل تُعبر عن حالة إنسانية يتحدث بها كل إنسان بشكل مُطلق، ودون استثناء. ومن هذه الوسائل تأتي لغة الرقص فهو لغة يتفاعل معها الإنسان ويُعبر بها عن مشاعره نحو موقف مُعين قد يتأثر ببعض الوقائع والأحداث، يتضح في حالة ظاهرية تُعبر بقوة عما يدور بالداخل (عبد الباقي يوسف، 2015: 128). لذا حاولت دارية أن تعلن عن رفضها لواقعها الراهن، مُحتمية بعالمها الخاص الذي اخترته فلجأت إلى الفن والرقص ومُمارسة رياضة الأيروبكس تعويضًا عن حرمانها وشعورها مُجددًا بأنها ما زالت تُحافظ على أنوثتها. ترجمت دارية كبتها من خلال جسدها في التعبير عن تمردُها عن الواقع لتُمارس حريتها والخروج من السجن الذي شيدته العادات والتقاليد الاجتماعية، كما حاولت أن تكسر القوالب الجامدة التي رسخها فيها زوجها من خلال نمط تقليدي مُتعارف عليه للمرأة المصرية.

      "عندما انتهت دارية من ساعة الإيروبكس في الحادية عشرة والنصف صباحًا، غيرت ملابسها المُبتلة. أسرعت إلى دار النشر لتتسلم البروفة الأولى لديوانها. أمسكت بين يديها الأوراق وقد بدأت السطور المُختزنة في أدراج مكتبها أعوامًا تأخذ شكل كتاب" (الرواية، 2009: 72).

      حدث التحول في حياة دارية حينما خرجت من القفص الحديدي الذي كبلها بقيوده خلال حياتها مع زوجها. فقد كانت الكتابة بمثابة فعلًا تحويليًا، فأخذت حياتها طابعًا إيجابيًا انتقلت من مرحلة الخوف والقمع والخضوع إلى مرحلة الفعل والثورة والتمرد، وجدت أرضًا صلبة تقف عليها وأب يحميها ويقوم بتشجيعها، فكانت كتابة الشعر والعودة إلى الدراسة بمثابة طوق نجاة، ويُعبر الراوي عن ذلك بقوله:

     "مستمتعة بكل المواد. من نظريات النقد الأدبي للموسيقي وعلم الجمال ولغة السينما وتاريخ الحضارات القديمة. ابتديت أفهم لغة الجسد وتعبيرات الوش في الباليه. العلاقة بين عضلات جسم الراقص أو الراقصة ولون الملابس وتصميمها. بين تشكيل المجموعات وحركتها، وحدة نبرة الموسيقى أو نعومتها. أكثر شيء باستمتع بيه هو الجزء العملي. بالذات زيارة المعارض. فيه لوحات باقف قدامها وما افهمش أي حاجة" (الرواية، 2009: 77).

      رفضت دارية الخضوع لضعفها كما كانت تفعل من قبل تُدرك القضية التي تُريدها، تعي معنى الحرية التي ترغب في الوصل إليها فتواصل الحديث بشكل تفصيلي مع سيف، وهي على أهب الاستعداد لمواجهته والإفصاح عما بداخلها عن كل ما عجزت في البوح بهِ قبل سابق. رفضت الصورة النمطية التي رسمها لها زوجها، فزادت الخلافات وتمادت الصراعات بينهم إلى أن قررت دارية الانفصال في سبيل الحصول على حريتها في ظل مجتمع ذكوري، فعبرت عن ذاك بقولها:

      "لسه شايف الحياة قوالب ومعادلات يا سيف. أم بدون أولادها تساوي صفر. أنا هاقولها لك قدام أبويا. إنت أعصابك اتحملت إنك تاخد جسمي بدون موافقتي. قبلت تنام مع جثة يا سيف" (الرواية، 2009: 80).

     دائمًا ما تنظر النسويات خاصة الراديكاليات مثل "كريستين ديلفي"، إلى الزواج باعتباره أحد أسس تكريس سيطرة الرجل على المرأة والتحكم في علاقتهما الجنسية، وقوة عملها (سامية قدري، 2016: 317). لذ أرادت دارية أن تعتق جسدها من أسر هذه السلطة التي تنظر للمرأة كونها نتاجًا للعائلة، فإذا استطاعت أن تعتق جسدها تكون قادرة على أن تعتق أفكارها وروحها، فخاضت معركة الحرية، وحاربت السلطة الأبوية –المُتمثلة في الزوج- مُتسلحة بالقوة التي منحها لها أبيها ومُمارسة الهوايات والفنون صار هم الموجهين لها وجعل منها شخصية أكثر واعيًا حتى وإن كان هذا مؤخرًا، واجهت سيف بكل ما يكمن داخلها.

     رفضت دارية أن تعيش حياة يسودها فكرة الزواج الأحادي  Monogamous الذي يُعد مصدرًا لقوة السلطة الذكورية التي تجعل المرأة مُستغلة جنسيًا وكأن الكاتبة هُنا تسعى إلى تأكيد مبدأ النسوية الراديكالية التي تعتبر أن الحياة الجنسية هي التي تدعم الرابطة البيولوجية بين الرجل والمرأة؛ لذلك فهي التي تجعل العداء بينهم فريدًا من نوعه. لذلك كان المطلب الأدنى للنساء المُنتميات لهذه المدرسة الفكرية هي أن تُحظى المرأة بالتحكم في حياتها الجنسية الخاصة؛ حيث يعتبرون أن الجنس استخدام لسيطرة الرجال على النساء (سامية قدري، 2020: 24)، واستطاعت أن تواجه سيف في رفضها للعلاقة الجنسية بينهما كونها تشعر بأنها امرأة مُغتصبة، فيبرر سيف بقوله:

     "وهو فيه اغتصاب في الجواز. أنا سألت شيخ.. مين اللي نام معاك. الشيخ والا أنا؟ عايزة إيه يا دارية؟ حريتي وأولادي. ومش هتفكري ترجعي؟ هتديني حق العصمة؟" (الرواية، 2009: 81)

    ومن هُنا تمردت دارية على الموروث الثقافي والعنف الذكوري الموجه لها لكونها امرأة ليس لها حق الرفض، كل هذه الأمور لها عظيم الأثر في خلق بيئة خصبة لازدهار التمرد واستخدامه كوسيلة ناجحة في الحصول على الحرية. لذا ترد عليه بقولها:

     "أنا ذقت طعم القهر يا سيف. لو أنت شايف إنه قهر لك أنا مش هاخليك تعمل حاجة مناقضة لرجولتك. كنت عايزة أعرف قد إيه اتغيرت. اطلبي حاجة معقولة. اسمع أنت لعبت بيَ قمار. وخسرت. وأنا مش مسئولة عن تعويضك الخسارة" (الرواية، 2009: 81).

     وبهذا أوضحت الكاتبة كيف عزز الزواج من سلطة الرجل على المرأة، باعتبار أن الزواج شكل من أشكال الميل القهري للجنس الآخر. فالجنس ليس له علاقة بإِمتاع المرأة ولكن له علاقة وثيقة بسيطرة الرجل على المرأة؛ لذا شكلت كل هذه الأسباب والدواعي وسيلة لضغط على دارية، مما ساعدها في التمرد على القيود المفروضة عليها وكسر التابوهات والحواجز المانعة التي فرضها عليها زوجها. تعرضت دارية للقمع والقهر والطاعة دون نقاش كلها عوامل ساعدت في خلق حالة التمرد حاولت من خلالها أن تخلع رداء الطاعة العمياء وتخترق التقاليد الأبوية التي فرضت عليها من قِبل زوجها والتي عجزت كثيرًا عن تغيرها وما نتج عنها من استلاب حقها كأنثى. بعدها قررت دارية أن تكسر حاجز الخوف وتتطلع لمُستقبلها وتعمل على تطوير ذاتها بالتقدم لمنحة دراسية لألمانيا لإكمال مسيرتها العلمية بحثًا عن الحرية والفن وتسترد ذاتها المفقودة وبالفعل تُسافر لأول مرة في حياتها بدون زوجها مُتحررة من قيوده ومحاذيره عليها بكل خوف، تبدأ دارية بالتنفس واستجلاء قيمة الذات من جديد.

      سعت الكاتبة لرسم صورة مُغايرة للمرأة، عن تلك الصورة السائدة في المجتمع المصري، وغيره من المجتمعات العربية. وانطلاقًا من هذا المنظور، قامت الكاتبة بطرح المسألة النسائية في الرواية من خلال وصف أزياء النساء في المجتمعات الغربية؛ فهي ملابس بها نوع من التحرر تُعبر عن ثقافة مجتمعاتهن، توضح كيف عاشت دارية الحياة في تلك المُجتمعات كما يحلو لها لا تأبه بأحد، تنطلق إلى عالم آخر جديد عليها بثقافة مُختلفة عنها، فتقابل "سابينا" المُشرفة على بحثها المُقدم لجامعة "ماينز" بترحاب شديد لكنها تنظر إليها في تعجب، قائلة:

       "ما تخيلتكيش بالشكل ده. فترد عليها دارية بقولها: كنتِ متوقعة عباية سودا خارجة من باب الخيمة" (الرواية، 2009: 85). ظلت نظرة الآخر الغربي لمظهر المرأة المصرية، بأنها المرأة التي تخضع لقيم وتقاليد المُجتمع ذات الثقافة المُحدودة التي يجب ألا تخرج من سرداب الحريم، لكن دارية حاولت أن تكسر تلك الصورة النمطية عن المرأة المصرية، وتفعل كل ما حُرمت مِنه من قبل، فيوضح الراوي قائلًا:

     "تستيقظ في السادسة. ترتدي شورتا وتي شيرت أبيض وحذاء الرياضة. تجري مع استدارة سور الحديقة الداخلي. خمس دورات. تنهل رئتاها من ندى الصباح الطازج ولون الأشجار الخضراء" (الرواية، 2009: 89).

     رسمت الكاتبة صورة مُختلفة للمرأة المصرية في المجتمعات الغربية لكي توضح للقارئ تصورات جديدة بشأن المسألة النسائية المُرتبطة بحقوق المرأة لم تكن واردة في ثقافة المجتمع العربي؛ كونها مُستمدة من الثقافة التقليدية المُرتبطة بطبيعة المجتمع. ففي ألمانيا سعت دارية إلى الرحيل من محارة الروح إلى ديار الغربة بالسفر إلى ألمانيا حيث تكون هُناك الحرية المُطلقة والرقابة الغائبة. بعدها تعرفت دارية على أناس جُدد في غربتها وكونت صداقات جديدة وتوطدت علاقتها بمشرفتها "سابينا"، وكما تعرفت على أحمد نور الدين الرسام المصري الذي غير لها العديد من المفاهيم في التعبير عن الحب والحرية. سردت له قصتها كاملة حتى شعرت بأنه نصفها الآخر الذي كان يغيب عنها، شجعها على السباحة لتخرج الأنثى من سجنها، فيصف الراوي الموقف بقوله:

    "يغوص لأسفل. يرفعها. فتشعر ببرودة النسمات الخريفية تلفح جسدها. ويقذف بها إلى الخلف. تصرخ. وتضحك مع ارتطام جسدها بالماء. مرة. ينشرخ الجدار السفلي لمحارة الروح. ومرة. يزداد عمق الشرخ. يتسع. ومرة. تتفتت المحارة. نغوص أجزاؤها بهدوء في اتجاه رمل القاع. والحصى. ودارية تضحك. وتغوص. تدور حول قدميه أسفل الماء. وجسدها يلتوي ويلتف حول نفسه مثل سمكة ضاحكة" (الرواية، 2009: 111).

  1. بزوغ الوعي واكتمال النضج:

     كُتبت الرواية، كما سبق وأن أشرت، خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، الحقبة التي صاحبها بزوغ وعي نسوي مصري بالحقوق، خاصة مع تنامي الدعوة العالمية بحقوق المرأة، وتصاعدت التيارات الفكرية المُنادية بالمساواة. وقد عكست الرواية هذه التحولات حيث تحولت دارية خلال الفصل الرابع من الرواية إلى امرأة أخرى أكثر تيقظًا وواعيًا على الرغم من ما واجهته من عذابات في حياتها، غير أنها استطاعت في النهاية أن تطُل خارج محارة الذات على الرغم من كل الصراعات التي واجهتها، وتهرب من واقعها إلى عالم الفن والشعر لتسرد أحداثًا واقعية في عالمها الخيالي.

     ومع زيادة نُضج دارية واكتمال وعيها أدركت أنها ستكون مسلوبة الإرادة، تُحاول أن تواجه ضعفها وتدرك قوة عقلها وتكسر الصورة النمطية التي ارتسمت للمرأة على مدى قرون من الزمان. فتحت دارية الباب على مصراعيه لإظهار آليات التمرد ومظاهر دفاع المرأة عن نفسها من هيمنة وسيطرة الآخر عليها، واستلهمت الكاتبة العديد من قضايا النسوية المطروحة خاصةً في الحديث عن حقوق المرأة ونظرة الرجل لها ولوضعها ومكانتها وأدوارها المُجتمعية المُختلفة، خاصة فيما يتعلق بدورها كزوجة في مؤسسة الأسرة، هذا بالإضافة إلى دورها كامرأة عاملة في مجال آخر خارج الأسرة تخرج إلى المجال العام لتُطالب بحريتها في التعبير عن شخصيتها وتحقيق كينونتها الخاصة.

    عاشت دارية صراعًا داخليًا مع ذاتها وخارجيًا مع الواقع الفعلي المُعاش. لكن الصراعات الداخلية التي واجهتها هي من دفعتها لرفض واقعها وتمردها عليه. فترفض وضعها التقليدي وتتحرك من حالة فُقدان المعنى والصمت إلى حالة التمرد والسعي نحو الحرية، والتمرد على الثقافة التقليدية بكل مكوناتها. ومن هُنا حاولت دارية أن تخرج بهمها الأدبي إلى الحيز الاجتماعي بمُشاركتها في النادي الثقافي في المدرسة حيث يمنحها مساحة للإبداع تتمرد من خلاله على قيود المنهج والنظام تقرأ دارية في ذلك النادي الشعر والقصة ويعرض فيه لوحات فنية مُختلفة ويحللون كتابات في مجالات مُختلفة، وحينما قررت مديرة المدرسة إقامة حفل للمتفوقين أرادت مشاركتها لكنها أعربت عن حساسية الموقف بالنسبة لها، فاندفعت مدام سميرة مديرة المدرسة بتلقائية قائلة:

   "إزاي تستسلمي للوضع ده يا دارية. كتير مننا بياخدوا قرارات من النوع ده غير الرجوع للأزواج في كل صغيرة وكبيرة" (الرواية، 2009: 49).

      كانت هذه المرحلة هي مرحلة تحول في حياة دارية حاولت أن تعتزل كل ما يؤذيها وكل ما يؤلمها نفسيًا ومعنويًا أرادت أن تُجسد نموذجًا جديدًا من حياتها تُحقق من خلاله إنسانيتها، فالذات في هذه المرحلة تعي دوافعها وتحدد أهدافها. قادت هذه المرحلة دارية للكتابة الأدبية وحضور الندوات، بالإضافة إلى الدراسة في دبلوم النقد الأدبي، الحُلم الذي سعت طويلًا له ولكنها عجزت عن تحقيقه أثناء وجودها مع سيف، وحينما أزداد الصراع بينهما تمردت على حياتها وهددها بحرمانها من أبنائها ومقابلة صديقتها (هناء وهادية)، لكن دارية تٌقاوم ضعفها "تكرر على نفسها بصوت مسموع أن حربها لم تكن من أجل وجودها كشاعرة فحسب، بل كإنسانة لها الحق في اختيار ما تقرأ وما تكتب ومن تصادق" (الرواية، 2009: 62- 63).

       كان الهدف من المعركة الوصول إلى الحُرية، والتحرر من قيود سيف المفروضة عليها، تترك دارية الحياة بكل ما فيها من تحكمات وصراعات "لحظة خروجها من المنزل هي لحظة فرض هيمنته على الموقف. بيده أن يمنح أو يمنع. بيده أن يحجب عنها الحرية وطفليها. فكرت كثيرًا أن تأخذهما معها إلى شقة أبيها الصغيرة في الدور الأرضي لأحدى بنايات الزمالك القديمة. أقسم سيف ألا يمنحها ما يُمكنها من الاحتفاظ بهما. ومن أين لهَا بدخلها الصغير- الذي لا يعتمد مبدأ الدروس الخاصة- أن تكفل لهما الحياة التي تريدها لهما. كانت يدها مغلولتين" (الرواية، 2009: 67). وفي مقطع آخر: "هتندمي. والأولاد دول تنسي إنك ممكن تاخديهم. أنت عارف إنك ما تقدريش تعيشيهم بمرتبك التعبان. وإن عرفت تاخديهم بأي شكل هاكون أنا وهما تاني يوم بره مصر" (الرواية، 2009: 81).

    ولأنها على وعي تام بأن قانون الأحوال الشخصية يمنحها حق تربية الأبناء كونا الأم أحرص على توجيههم ورعايتهم، فلم تنصاع لكلامه وتركت البيت. وعادت إلى بيت أبيها. ومن هُناك تبدأ دارية في تحقيق حلمها بالتفكير في السفر إلى ألمانيا، وفي أثناء تواجدها بالمطار تخيلت أو توقعت أن تسمع ضابط الجوازات يقول لها: "سيادتك ممنوعة من السفر بأمر الزوج" (الرواية، 2009: 84). لكن حدث ما لم تكن تتوقعه، وسافرت بالفعل إلى ألمانيا، وهُناك رأت ما حُرمت من رؤيته في مصر؛ حضارة جديدة مُنفتحة، مُناخ من الحُرية غير معهود في بلدها. تُقابل في رحلتها رسام مصري يُدعى نور، تُحاول دارية أن تُمارس تجربة علاقة جديدة وتنمو العلاقة بين دارية ونور وتتحول من مجرد صداق0ة إلى علاقة عاطفية عندما قام برسمها في لوحة تعكس الحرية التي طالما حلمت بها، وهُنا تتذكر الحلم الذي عاشته طويلًا وهي تتطلع لحياة الحرية. وعلى الرغم من أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تسافر إلى خارج بلدها، إلا أنها هذه المرة كانت مُختلفة: "دافئة، طيبة. محبة. مبتسمة لكل الوجوه. مفتوحة للعالم" (الرواية، 2009: 85).

      حاولت في رحلتها أن تبحث عما يُشبهها فوجدت نفسها في لوحة في معرض رسومات بألمانيا لرسام مصري يدعى "أحمد نور الدين" رجلًا أسمر جنوبي الملامح، تتوطد علاقتها بِهِ ويُصبح مصدر ثقتها. يؤمن نور بأن الحيوان هو روح الحقيقة بكل دناءتها وسموها، هو الغريزة والمُقدس؛ وتختلط في لوحاته صور الحيوانات بأجساد البشر، فكل حيوان في ذهنه يُمثل صورة لطبيعية بشرية متكئًا على فكرة التحنيط عند الفراعنة، والأساطير في شرح الفلسفة. شجع هذا الرجل دارية على التحرر، بداية من إيقاظ وعيها باسمها الذي يشتق منه الدراية والمعرفة، مرورًا بدفعها إلى السباحة تمهيدًا للكشف عن جسدها ومراقبة تفاصيله بُحرية من أجل أن يُخرج الأنثى من سجنها. وهنا تتقابل عوالمهم الاختيارية، فيصير الفن دربًا للتعبير عنهما هو في الرسم، وهي في الشعر (ليندا عبد الرحمن عيد، 2014: 782).

      وتعود دارية بعد ذلك إلى مصر وتتلقى إنذارًا بالطاعة من سيف، تعلم جيدًا أنه من المُمكن أن يلجأ إلى هذه الحيلة القديمة. لكنها شعرت بحُزن شديد قائلة: "ديننا دين سماحة وحب. ما فيهوش حاجة اسمها "طاعة" دلوقت راجل في نهاية القرن العشرين هيستخدم الطاعة ليه؟ يا إما عايز مراته. ودي حاجة مش بالعافية, هيحس برجولته يعني لما البوليس يجيبها له من قفاها؟ يا إما بيهددها علشان تتنازل عن حقوق مادية. (الرواية، 2009: 130).

       لهذا تُقرر دارية الخلاص من سيف، فلا تتردد في طلب الطلاق، وقبل أن تفعل ذلك سافرت إلى المنيا لتلتقي بحبيبها نور وهُناك، وفي رحلة نيلية، مالت على مياه النيل وأدركت أن رغم عشقها للنيل فهي المرة الأولى التي تتلامس مع مياهه التي شعرت أنه يُداعب قدميها بخفة، فأخذت بنثر المياه على وجهها وذراعيها وكذلك وجه نور وهي تتلو أسماء الآلهة الفرعونية القديمة قائلة:" أعمدك بالماء المُقدس بقوة الحب الإلهي. بوجه أوزوريس ابن نوت وروح إيزيس وجوهر ماعت الكامن فيك" (الرواية، 2009: 136)، وفي هذه الأثناء تطلُب دارية من نور رد سريع على طلبها في الارتباط بِها والذي كررته أكثر من مرة، إلا أنه يرفض طلبها مُعللًا ذلك بأن لديه عُقدة تجاه النساء، وأن المرأة بالنسبة له مُجرد مصدر إلهام: "الست بالنسبة لي كانت دايمًا مصدر إلهام في لوحة وألم في الحياة. أمي جرحتني لما سابتني لحد تاني يربيني علشان تتجوز. وهيلين قتلتني لما خبت عني إنها خلفت مني بنت ورفضت تكتبها بإسمي علشان لما تكبر ألمانية وما حدش يضطهدها بسبب أبوها الأسود. ويبقى لي بنت من صلبي لا قادر أشوفها ولا أحضنها. باتريسيا دلوقت عندها واحد وعشرين سنة. وخلفت. يعني أنا جد لا قادر أشوف حفيدي ولا عمري قابلتبنتي غير في الصورة وعندها سنتين" (الرواية، 2009: 139).

      عادت دارية من رحلتها إلى المنيا روح مُتعبة وقلب مُنكسر يبحث عن الحب، فتُفكر مرة أخرى في السفر إلى لبنان لحضور مؤتمر شعري لعلها تجد ضالتها، ولكن في هذه المرة تواجه بأنها ممنوعة من السفر بأمر زوجها. فتشعر بالضألة، والخذلان وخاصة بعد أن أخبرها ضابط الجوازات بأنه سيحضر لها حقائبها من على متن الطائرة فتقول لنفسها وهي تبكي: "ولو يا سيف. الألم اللي بيعصرني دلوقتِ أرحم من الحياة معاك. على الأقل فاهمة" (الرواية، 2009: 148).

      وهكذا، تباينت مظاهر التمرد عند دارية، فتجاوزت مطالبها الأساسية كأنثى، وتمردت على زوجها وحياتها التي عاشتها معه، وأصبحت تواجه سلطته عليها وتنشر أول ديوان لها بعد أزمتها مع سيف ونور كما استطاعت أن تنقل مُعاناتها على الورق من خلال الكتابة التي جعلتها تتمرد على كل ما يُحيط بها. اعترضت دارية على تخلف الزوج الذي يرفض الوجود الصريح لها في عالم الكتابة؛ لذا حاولت أن تكسر كل المحاذير فتستمر في الكتابة وتحقق حُلمها في الحصول على دبلوم النقد الفني. تشكلت حياة دارية في البعد عن الآخر الذي يُلجم حُريتها بقيود العادات والتقاليد التي يرتضيها، حتى وإن كان هذا الرجل هو زوجها الذي أحبته أو صديقها الذي فضلت الارتباط بِهِ. كل هذه الأمور حالت بينها وبين اكتمال قصة حُبها لكن على الرغم من مُر هذه التجربة، إلا أنها قوت شخصيتها ولم تكسرها فتقول لنور:

     "بس قبل ما أمشي عايزه أقولك إني مش زعلانه منك قد ما أنا زعلانة عليك. عايزة أقول لك إني لسه مؤمنة برأي أبويا-ما فيش لقاء بالصدفة- إنت اديتني حاجة جميلة قوي. أجمل سبع أيام في حياتي. رجعت لي اكتمال إحساسي بأنوثتي. بإنسانيتي. تجربة رغم مُرها قوتني وما حدش يقدر يأخد مني القوة دي دلوقت. حتى أنت" (الرواية، 2009: 155).    

     كما رفضت تكريس الحصار العقلي للمرأة، فالحصار العقلي للمرأة يُعد واحد من القضايا التي تستخدمها السلطة الذكورية في مُمارستها لقهر النساء، حيث يُحرم هذا الحصار المرأة من حقها في التفكير والإبداع، ويظهر هذا حينما يتهم سيف دارية بأنها محدودة القدرات. تحولت دارية من شخصية مستكينة وخاضعة لشخصية أخرى قادرة على تحقيق ذاتها قادرة على اتخاذ قرارها في أهم موقف من مواقف الحياة، وامتلكت القدرة على تكوين ذاتها وتحقيق حريتها كإنسانة لها الحق في اختيار ما تقرأ وما تكتب. فالمرأة المُثقفة دائمًا ما تُحاول إثبات ذاتها وتحقيق دورها في مُجتمعها، لذا كانت ترفض الحرية المشروطة بقيود وحدود. كانت تُخاطب نور في غربتها قائلة:

     "الحرية يا نور إننا نعمل اللي في مزاجنا. ما أنت ممكن تكون حر في أفعالك في جسمك لكنك عبد لأفكار أو عقد قديمة مش عارف تتخطاها" (الرواية، 2009: 139).

     حاولت دارية أن تُدافع عن حقها في ظل علاقتها المُضطربة مع زوجها وأزمتها تجاه أولادها الذين حُرمت منهم وانتهى الأمر بتجربتها التي خاضتها مع نور الدين الرسام المصري الذي قابلته في ألمانيا وعبرت من خلال حريتها الزائدة واستقلالها التام غير المعهودين للمرأة في المجتمع المصري آنذاك. لم تكتفِ بالتمرد على حياتها الزوجية ولكنها شنت هُجومًا عنيفًا على واقعها كأنثى في مُجتمع مُغلق يضع للمرأة قيودًا تحد من حريتها إلى أن تنحرف عن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية فتسير وفقًا لأهوائها ومزاجها الشخصي. حاولت دارية أن تتجاوز أزمتها وتظهر بقوة في الوجود الفعلي محاولة التخلص من قيود الذات وكسر الحواجز والمحاذير التقليدية في المُجتمع الغربي الذي منحها مساحة أكبر من الحرية.

      تترك الكاتبة النهاية مفتوحة في الرواية لا تذكر إن كانت دارية انفصلت فعليًا عن سيف أم لا، تنهي الرواية بحلم دارية الذي ظلت تسعى إليه طوال حياتها وهو الكتابة وعلى الأرجح كتابة الشعر، قائلة: "أفتح عيني ورائحة زمن آخر تهدهدني. أفتح زجاج النافذة على نوت تنشر جناحين من زرقة خالصة. مشربة برائحة زهر الليمون. ينفض من فوقه رمال الخماسين الصفراء. وعبق الياسمين الهندي. يتشكل حروفا وكلمات. أسحب من جانبي ورقة بيضاء. وقلمًا وأكتب" (الرواية، 2009: 159).

 

سابعًا: نتائج الدراسة:

  1. إن المرأة في هذه الرواية تُعد نتاجًا جديدًا لما شهدته النساء من تحولات على الصعيد النفسي والفكري والاجتماعي، ظهر ذلك من خلال شخصية دارية التي اتسمت بالجرأة والوضوح. إذ إن الرواية كانت بمثابة خطاب نسوي عبرت من خلاله الكاتبة عن تطلعات وطموحات ووعي المرأة.
  2. كانت الكتابة بمثابة وسيلة مُهمة لمُمارسة التمرد على الأوضاع التي تحياها المرأة في ظل علاقة زوجية قائمة على عدم التكافؤ الاجتماعي والثقافي بين الزوجين، كما كانت وسيلة للتمرد على الأوضاع الاجتماعية السائدة في المُجتمع والتي تحد من إبداع وحُرية النساء. كما عبرت الكاتبة عن وعي المرأة المُثقفة وتمردها على واقعها ومُحاولتها لنيل حقوقها، وتحقيق ذاتها.
  3. حاولت دارية أن تتمرد على عالم القيود المفروض عليها، فعبرت عن تمردها بكسرها لتلك القيود المفروضة عليها وتعرضت للصراع سواء الداخلي مع الذات، أو الخارجي مع الواقع الاجتماعي الذي تعيش فيه.
  4. أوضحت الكاتبة عدة صور للتمرد منها: التمرد على أفكار الرجال حول المرأة وأدوارها في المجالين العام والخاص، والتمرد على العادات والتقاليد التي تحكم النساء وتُمارس عليهن السلطة، التمرد على اللون التقليدي للكتابة، هذا بالإضافة إلى التمرد على الأنظمة الاجتماعية والثقافية التي سلبت المرأة حقها وجعلتها تحت وصاية الرجل.
  5. أدت الكاتبة بأدبها التمردي دورًا تنويريًا من خلال بطلة روايتها "دارية" وإبداعها التي حاولت من خلاله أن توضح قضايا اجتماعية تؤكد على دونية نظرة الرجل للمرأة.
  6. جاء التمرد عبر الرواية ضمنيًا أحيانًا وصريحًا في أحيان أخرى، ومن خلال عدة آليات وهي: استخدام اللغة الشعرية، والتناص من القرآن الكريم من أجل أن تؤكد دارية لنفسها وللآخرين حقوقها.
  7. جعلت الكاتبة من الحديث عن القضايا المسكوت عنها وسيلة للفكاك من القيود والبوح بما تمتلئ بِه ِالعقول من ثقافة ماضوية لا ترى المرأة إلا جسدًا، ولا تؤمن بِها روح وإبداع.
  8. أثارت فكرة التمرد استجابات مُتعددة، وعكست مضامين مُختلفة جسدت من خلالها الكاتبة أزمة المرأة المصرية، ولعل ما تثيره الاستنتاجات حول المرأة وهاجس التمرد، وسُبل التعامل الخلاق معها قد يتطلب الاهتمام من جانب الباحثين لدراسة العديد من القضايا.

 

- نفتيس، هي أحد الألهة المصرية القديمة، وهي عضو في تاسوع هليوبولس أخت كل من أيزيس وأوزيريس وست، وابنة كل من نوت إلهة السماء وجب اله الأرض، ونفتيس تعني "سيدة المنزل" وتسمى أحيانًا إلهة الكتابة. لمزيد من التفاصيل أنظر:  أدولف أرمان، (2019): ديانة مصر القديمة نشأتها وتطورها ونهايتها في أربعة آلاف سنة، ترجمة عبد المنعم أبو بكر ومحمد أنور شكري، مكتبة مدبولي الصغير، ص75.

 -سِخمت، هي إلهة القوة والحرب وإلهة النماء المصورة على شكل لبؤة متعطشة الدماء، هي إحدى عناصر ثالوث منف، زوجة بتاح وأم نفرتم، فقد كونت سخمت ثالوثًا معهم. إنها مقاتلة رهيبه.  لمزيد من التفاصيل أنظر: منار مصطفى محمد، (2015):المعبودات أمهات الملك المتوفي في العالم الآخر بمتون الأهرام، أعمال المؤتمر الثامن عشر للإتحاد العام للآثاريين العرب: دراسات في آثار الوطن العربي، ص81.

  

  •  

    أولًا- المراجع العربية:

    أ- المصادر:

    • سحر الموجي، (2009): دارية، دار الشروق، القاهرة، ط2.

    ب- الكتب العربية:

    • أشرف توفيق، (1998): اعترافات نساء أدبيات، أخبار اليوم قطاع الثقافة، دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1.
    • زينب العسال، (2008): النقد النسائي للأدب القصصي في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
    • سامية قدري، (2016): الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
    • ______، (2020): قضايا المرأة المصرية بين النسوية وما بعد النسوية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
    • محمد عبد المطلب، (2014): قراءة السرد النسوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1.
    • نازك الأعرجي، (1997): صوت الأنثى (دراسات في الكتابة النسوية والعربية)، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع دمشق، سوريا، ط1.
    • نزيه أبو نضال، (2016): تمرد الأنثى في رواية المرأة العربية وببلوغرافيا الرواية النسوية العربية (1885- 2014)، وزارة الثقافة، عمان، الأردن.

    ج-الكتب المترجمة:

    • أدولف أرمان، (2019): ديانة مصر القديمة نشأتها وتطورها ونهايتها في أربعة آلاف سنة، ترجمة عبد المنعم أبو بكر ومحمد أنور شكري، مكتبة مدبولي الصغير.
    • ألبير كامو، (1983): الإنسان المتمرد، ترجمة نهاد رضا، منشورات عويدات، بيروت، ط3.
    • بام موريس، (2002): الأدب والنسوية، ترجمة سهام عبد السلام، مراجعة وتقديم سحر صبحي عبد الحكيم، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
    • جانيت تود، (2002): دفاعًا عن التاريخ الأدبي النسوي، ترجمة ريهام حسين إبراهيم، المجلس الأعلى للثقافة.
    • جيل لبيهان، (2002): النسوية والأدب، في: سارة جامبل ( محرر) النسوية وما بعد النسوية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
    • سارة جامبل، (2002): النسوية وما بعد النسوية، ترجمة أحمد الشامي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1.

    د-الرسائل الجامعية:

    • أمنية ندرومي، (2020): تمرد المرأة في الرواية العربية النسوية "رواية مذاكرات طبيبة لنوال السعداوي أنموذجًا"، رسالة ماجستير، إشراف أشرف بشيري، قسم اللغة العربية والأدب، كلية الأدب واللغات، جامعة أبو بكر بلقايد، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
    • محمد عايد موسى الهدبان، (2018): التمرد في الرواية النسوية الأردنية "أعمال سميحة خريس أنموذجًا"، رسالة دكتوراه، إشراف محمود حسين أحمد، كلية الدراسات العلبا، جامعة العلوم الإسلامية العالمية.
    • إقبال محمد الرشيد الحمداني، (2009): الاغتراب وعلاقته بالتمرد وقلق المستقبل لدى طلبة الجامعة، رسالة دكتوراه كلية التربية جامعة بغداد.

    هــ- المجلات العلمية:

    • إلهام سناني، (2022): المرأة وهاجس التمرد في الرواية النسوية والتونسية المعاصرة رواية "نخب الحياة" لآمال مختار أنموذجًا، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة باتنة 1، المجلد 23، العدد 2، ص 171: 182.
    • السعيد ضيف الله، فطيمة بلبركي، (2020): تمرد الأنا ومدارات كراهية الآخر في السرد النسوي الجزائري المعاصر رواية (تاء الخجل) لفضيلة فاروق أنموذجًا، مجلة طبنة للدراسات العلمية الأكاديمية، مج2، ع3، ص 208: 231.
    • صباح على سعيد الأسمري، (2018): شخصية المرأة المتمردة في الرواية السعودية: بنات الرياض أنموذجًا، سلسة أبحاث طلاب الدراسات العليا في الأدب السعودي، جامعة الملك سعود، ع6، ص99: 138.
    • ضيف الله السعيد، (2020): تمرد الأنا ومدارات كراهية الآخر في السرد النسوي الجزائري المعاصر: رواية "تاء الخجل" لفضيلة الفاروق أنموذجًا، مجلة طبنة للدراسات العلمية والأكاديمية، مج3، ع2، ص208- 231.
    • عبد الباقي يوسف، (2015): سيكولوجية الرقص، أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، مج8، ع28، ص128- 133.
    • ليندا عبد الرحمن عبيد، (2014): تحولات الذات الأنثوية وتنوع المستويات السردية في رواية "دارية"، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلد 41، ملحق2.
    • منار مصطفى محمد، (2015): المعبودات أمهات الملك المتوفي في العالم الآخر بمتون الأهرام، أعمال المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام للآثاريين العرب: دراسات في آثار الوطن العربي.
    • حميد يعكوب نعيمة وبشرى عباس جهاد، (2021): التمرد والمؤسسة السياسية في الرواية النسوية العراقية، مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث، المجلد الأول، العدد الثالث، ص519- 537.
    • هالة شكر الله، وآخرون، (1998): بحث عن المرأة في المنظمات الأهلية (حالة مصر)، مركز دراسات المرأة الجديدة.

    ثالثًا: المراجع الأجنبية:

     J.O, Donnell, Thomas, A. & Walter (2001): Psychological Reactance: Factor Structure and Internal Consistency of the Questionnaire for the Measurement of Psychological Reactance, The journal of Social Psychology, Vol 141 (5).

    Sonnentag, Tammy, Barnett, Mark A, (2015): Role of Moral Identity and Moral Courage Characteristics in Adolescents Tendencies to Be a Moral Rebel, Ethics and Behavior, 5(2).

    Halsaa, Beatrice, (1998): "Scandinavian Political Studies", Norde Political Science association.

    Maria, Mies, (1986): Patriarchy and Accumulation on World Scale Women in the international division of lab our, Zed Books, Ltd, Landon.

    Beaste, Chirs, (1999): What Is Feminism? An Introduction to Feminist Theory, Iondon, Publication Sage.