الغضب والتسامح وما بينهما: قراءة في رواية (سفر الغضب ) للکاتب حسام الدين قبردي

Document Type : Review papers

Author

English Department School of Linguistics and Translation Badr University in Cairo

Main Subjects


مقدمة:

صدرت الطبعة الأولي لرواية "سفر الغضب" عن دار المفکر العربي للنشر والتوزيع عام 2020 للکاتب  حسام الدين قبردي وهو من مواليد الإسکندرية. وعلى غرار تلک الأعمال العالمية التي تناول مفاهيم الغضب والانتقام  تبحر رواية (سفر الغضب) في فضاءات النفس البشرية التائهة بين مفهومين متضادين في الحياة: هما الانتقام والتسامح. وقد نبهت هذه الرواية بطريقة غير مباشره لمسألة مجتمعية  خطيرة ظهرت في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 وهي تقبل الأخر والقدرة علي التسامح والعفو.

 

الأحداث والبناء الروائي في رواية سفر الغضب:

تدور مجمل أحداث القصة حول شخصية الدکتور إبراهيم الذي کان کله خير شهامة لکل من حوله حتي الذين لا يعرفهم. ولکن اصبح کارها للناس جميعا بسبب أن بعضهم اساءوا إليه  وإلي سمعته فاصبح همه الأکبر هو البحث عن الانتقام والثأر خارج نطاق العدالة. فبعد أن تم سجنه لموقف الشهامة في تحرير "شيري" من قبضة مغتصبيها فما کان الجزاء من ابيها "شعبان"  وأخيها  البلطجي"قرني" سوي تلفيق تهمة محاولة أغتصاب "شيري" مما أدي الي حبسه وضياع مستقبله المهني ومن هنا بدأت شلالات الغضب والسخط والنقمة تجتاح وجدان ابراهيم فاصبح لا يعرف معني الهدوء وراحة البال بسبب جبال الغضب المتراکمة الذي يبدو کالقدر الأسود الذي لا ينفک عن ملاحقته، کلما حاول نسيانه والابتعاد عنه مکانيا بالذهاب مع سارة الي مدينة المستقبل الجديدة ليجد الدکتور عفت والشيخ حساب في طريقه. ويبدوا أن النهاية تؤکد علي رؤية أبراهيم أن المجتمع الذي يحيا فيه ليس به مکان للتسامح والعفو. وکما بدأت الرواية بمشهد الدم والعنف  تنتهي  کذلک بمشهد مقتل إبراهيم وسارة وزيزي.

 

وتبدأ احداث القصة بمحاولة ابراهيم التخلص ممن سعي إلي تشويه سمعته بوضعه علي شريط القطار ليتحول الي اشلاء. والبداية تشير الي حجم الغضب والانتقام الذي تمکن من ابراهيم  الذي أصبح يجد اللذة في کل مرة ينتقم فيها ممن شوه سمعته  کما ظهر ذلک جليا في محاولته الثانية التخلص من قرني وحرق جثته  بمساعدة حنفي زميله السابق في السجن. والانتقام عند إبراهيم له لذته الخاصة فهو على استعداد أن يدفع عمره  من أجل أبقاء متعته ومزاجه في الانتقام من کل من آذاه. ولعل اللذة التي شعر بها ابراهيم بعد کل محاولة انتقام تشير الي ما أکد عليها عالم النفس المشهور سيجموند فرويد الذي أشار بأن المرء يشعر بالراحة عندما يفرغ شحنة غضبة بالتعدي على الأخرين.

 

و لکن في و سط هذا الجو من العنف ولذة الانتقام هناک شخصية سارة  التي تکتم يهوديتها کما فعل أبوها وجدها حفاظاً على وجودهم في مصر والتي تمثل الجانب الأخر من شخصية ابراهيم هي الشخصية المتسامحة التي تدعوا الي العفو والحب  والتي تطلب من ابراهيم الأ يکره أحدا لإن الکراهية والانتقام يؤثران علي حياة الشخص نفسه. وهنا تکمن عبقرية حسام الدين قبردي الذي يمنح القارئ مساحة للتأمل والتفکر والتساؤل: هل يمکن لسارة أن تغير من الطريق الذي أتخذه  ابراهيم وهو طريق الانتقام وهل يجب علينا أن نسامح لکي نتحرر من الشر الذي  يحيط بنا لأنه، في النهاية، يؤدي عدم المسامحة إلى إلحاق الضرر بذواتنا.

 

الإشارات الرمزية والفنية في الرواية:

وعلي الرغم من أن الرواية تتناول الجانب العاطفي  لدي إبراهيم الذي يقع في حيرة بين علاقته بسارة التي  تشبعه اهتماما  وسحر التي تملأ مساحة الفراغ التي تترکها سارة حين تنشغل عنه وتصوير الداخل النفسي لديه والمملوء بالعنف فأن الرواية قد نجحت کذلک في نقل الکثير من المشاهد الإجتماعية والسياسية في مصرالتي عاشتها مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 من حالة الانقسام والاستقطاب الشديد والعنف الذي ساد المجتمع المصري بعد الثورة وصعوبة تقبل اختلاف الأخر مما أدي الي حالة من الغضب المکبوت والتعصب  "فإما أن تکون معي أو أنت ضدي،" وهذه العبارة کررها الدکتور عفت في خصومته مع الدکتور ابراهيم وسحر الممرضة التي رفضت جميع محاولات تحرشه بها. کما لم تخلوا الرواية کذلک من الإشارات السياسية المعاصرة مثل مشکلة فلسطين واحتلال اليهود الصهاينة لها وکيف أن اليهود ليسوا کلهم صهاينة بل أن منهم سارة حبيبة القلب التي تدعو الي التسامح ونبذ العنف.

 

کما أشارت الرواية بطريقة فنية رمزية إلي موضوع أخر في غاية الأهمية وهو العلاقة ما بين  السلطة والتي يمثلها شخصية صدقي باشا والمال الفاسد والذي يمثله الدکتور عفت ورجل الدين المنافق والذي يمثلها الشيخ حساب حيث ظهر جليا في افتتاح المستشفي الجديد والخلاف الذي نشأ بين الشرکاء لحد الاقتتال  فهناک من يزعم بأن خلافا بين صدقي باشا والشيخ حساب على إدارة المستشفى وأرباحها تطور لمشکلة کبيرة. ومشهد الاقتتال الأخير بين أتباع صدقي باشا وأتباع الشيخ حساب يفتح ملفا خطيرا بطريقة فنية يتداخل فيها الحقيقي والمتخيل، بعيدا عن الطرح السياسي الضيقوهو العلاقة الفاسدة بين السلطة والمال والدين. وقد أثر في ذلک حسام الدين قبردي الإشارة الفنية الرمزية تجنبا الوقوع في فخ الخطاب السياسي والإعلامي اليومي من حالات الإستقطاب والتهميش.

 

اللغة والشخصيات:

واللغة التي أستخدمها حسام الدين قبردي في کتابة رواية "سفر الغضب"  هي مزيج من العربية الفصحي والعامية المصرية وأن غلب علي الرواية اللغة الفصحي التي حاول الکاتب استخدامها في جميع المواقف والمناسبات والشخصيات مع اختلاف الثقافة وهو ما جعل السرد بعيد عن الواقعية لاختلاف الخلفية الثقافية لکثير من الشخصيات.

 

والرواية لا تشتمل علي شخصيات ديناميکية ولکنها شخصيات ثابتة لاتتغير في عواطفها ويمکن التنبؤ بسلوکها بسهولة منذ بداية الأحداث حتي نهايتها. فعلي سبيل المثال: شخصية ابراهيم علي الرغم من کونه الشخصية الرئيسية فهو شخصية ثابتة غير قابلة للتغيير فهي محصورة في  کيفية تفريغ برکان الغضب بداخله في الانتقام  من الأخرين من بداية الأحداث إلي نهايتها.

 

في الختام:

 تشير رواية "سفر الغضب" إلي ظهور موهبة أدبية کبرى کما  تمثل  إنجازا قويا للکاتب حسام الدين قبردي فالحبکة الفنية منسوجة بحرفية وبها خيال عميق. واستطاع الکاتب أن يقدم شخصية الدکتور ابراهيم  وتناقضات عالمها الداخلي والخارجي في نفس الوقت، وهي عملية صعبة في أبعادها السردية والمشهدية،  فبفضل شخصيات متناقضة أمثال ابراهيم و سارة تطرح الرواية ذلک السؤال الهام: کيف يمکن لأنسان أن يستسلم لظلم وقع عليه من بشر مثله ولا يسامح  يعفو عن من ظلمه.