تودو.. ما أجمل العالم بدون الکبار!


 

برغم أن رواية "فانوس تودو الأحمر" تتکون من أکثر من ثلاثين ألف کلمة، إلا أنها أقرب لأن تکون "نوفيلا" أو "قصة طويلة"، بحکم قلة عدد شخوصها، وترکيزها على فترة زمنية محدودة، وأحداث قليلة برغم تفاصيلها العديدة.

العمل تأليف الکاتب الصيني "شيه هوا ليانغ، ترجمة رنا عبده.

منذ البداية يضعک الکاتب أمام الفکرة الرئيسة لعمله، الفتى المراهق؛ تودو، سيکون عليه حل کل المشاکل التي يتسبب فيها الکبار، وسيفعل ذلک بمحبة، وبرضا يصل أحيانًا إلى درجة السذاجة.

ففي المشهد الأول يرى تودو عنف العم "سان لنغ" الذي يضرب حماره بشدة وغضب، فيساومه حتى يأخذ منه الحمار مقابل قطعة أرض يملکها والد تودو.

ويظل الحمار طوال الأحداث شخصية روائية ساخرة مرحة صبورة عنيفة، قادرة على کشف ما في البشر من عنف وقلة صبر وبخل، أو طيبة ومحبة، فنکتشف شخصيات العم "سان لنغ"، والجد "تشانغ دو فو"، وهما فلاحان متخاصمان ومتنافسان طوال الوقت، برغم أن العم هو زوج ابنة الجد، ووالد حفيدته. وخلافهما يجعلهما يتنازلان لتودو عن الحمار، وعن عربة الحمار أيضًا.

أما والد تودو "تشين شوي کو"؛ فهو رئيس عمال، يعين أبناء قريته للعمل معه في المدينة، ثم يخدعهم هو ومديره ويختفيان بمرتباتهم. والوالد على خلاف دائم مع أم تودود، يتخاصمان، ويتصالحان، طوال الوقت.

ولتودو صديقة في مثل عمره تقريبا؛ خمسة عشر عامًا، هي "تشانغ تشون ني" ابنة "سان لنغ" وحفيدة "تشانغ دو فو"، وله أخت صغيرة هي "شياو يو".

هذه هي کل شخصيات العمل، وکلها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتودو، لکن تودو لا يحب الارتباط بأحد، فقد اعتاد أن يعيش وحده منذ ترک والداه القرية وذهب الأب للعمل بالمدينة، وهو لا يحب وجودهم معه في القرية، لأنهما يحولان حياته الهادئة المستقلة إلى جحيم من الخلافات والمشادات والخصام، فأول سؤال يسأله تودو لأمه عندما يعود إلى المنزل ويجدها هي وأخته الصغيرة ("متى ستغادران؟". رفعت الأم رأسها ونظرت إلى تودو وقالت: "لا أعرف." ثم وضعت الحطب في الموقد بقوة، وأردفت: "ربما لن نغادر. حدث شيء ما في موقع البناء، وهرب والدک ورئيس العمال..."). لکن الأم لا تتحمل نظرات وحديث أهل القرية حول زوجها الذي سرق عرقهم وجهدهم وهرب، وهم فقراء في أشد الحاجة إلى مرتباتهم الضئيلة، فتهرب من القرية، وتترک البيت وابنتها الصغيرة ليکون على تودو أن يرعاهم وحده.

تعود الحياة أفضل بالنسبة لتودو بدون والديه، يرعى أخته على أکمل وجه، ويعدها للالتحاق بالمدرسة، بل ويذاکر لکل أطفال الجيران، فتساعده صديقته "تشانغ تشون ني" التي تقرر بعد ذلک الذهاب إلى عمتها في المدينة لأنها لم تعد تستطيع تحمل العيش بالقرية بسبب خلافات والدها وجدها، لکنها مع ذلک تستمر على تواصل مع تودو الذي تحبه وتحترمه، لکنها لا تحب الاستسلام الذي يشوب شخصيته فتسخر منه (ضحکت تشون ني قائلة: "حقًا؟ أنا أيضًا معجبة بطيبة قلبک، لکنني أفتقد إلى ما تملکه أنت من القدرة على التحمل.." ثم بدأ صوتها يصبح جديًا فجأة وهي تقول: "تودو، أظن أنک مع مرور الزقت تصبح مثل الحمار أکثر، فأنت تعمل بإصرار وجلد دون أن تتذمر، مستعد دائمًا للعطاء، مخلص وتتحلى بالإيثار، کما أنک تختلس السعادة!").

ثم تکتشف "تشانغ تشون ني" أن والدة تودو موجودة بالمدينة، وأنها أصيبت بالجنون، وترقص في الشوارع، فينقلونها إلى منزلها رغمًا عنها. ونعرف أن والد تودو في المستشفى، وأن ابنه زاره مرتين ليطمئن عليه، ويعود الوالد أيضًا إلى البيت بما تبقى معه من نقود.

فما الذي فعلته طيبة تودو وصبره في التعامل مع الآخرين کبارًا وصغارًا وحمارًا؟!

تغيرت شخصيات العمل عندما نظرت لما يفعله تودو، فبدأوا يتخلون عن طباعهم السيئة، ويصبحون أکثر طيبة ورغبة في مساعدة الآخرين، يتغير العم والجد، وتعود الأم عاقلة وهادئة، ويقتنع الأب بأن يسدد ما عليه من ديون الآخرين حتى لا يضطر المستقبل لدفع فاتورة الماضي (فقال تودو وهو يحدق في وجه والده: "أبي، إذا لديک أموال إضافية، فقم بسداد المال الذي تدين به للآخرين!"... "لقد حسبت جيدًا کم المال الذي تدين به لأهل القرية خلال العام الماضي. لا يمکن أن نسمح للآخرين أن يلعنونا من وراء ظهورنا، فهذا متعب"... "يعيش الناس حياة صعبة. إذا لم تدفع المال، فسأسدده أنا عوضًا عنک في المستقبل!").

وفي النهاية يتعاون الجميع للاحتفال بأعياد الميلاد، وتعود "تشانغ تشون ني" لتحتفل معهم، فيصبح الکل سعداء.

تبدو المشاهد التي يتدخل فيها؛ أو يتصرف الکبار، مليئة بالمشاکل، والتصرفات الحمقاء، والنصب، والسرقة، والجنون، والبخل، والطمع. أما المشاهد التي ينفرد بها الصغار فهي مليئة بالمرح، والحب، وتعلم الجديد، والقراءة، والأحلام. لکن الصغار؛ المستقبل يمثله تودو، لا يقطع صلته بالکبار، بل يتحمل بعض نتائج أعمالهم، ويصلح نتائج الأعمال الأخرى، ويحاول التأثير فيهم ليتصرفوا بما يؤدي إلى مستقبل أفضل من ماضيهم وحاضرهم.

الرواية بها جرأة تقديم الواقع الخشن في القرية، الفقر والحماقة والمشاحنات الکبيرة لأسباب تافهة والسرقة والجنون، لکن تغليفها کل ذلک بأسلوب ساخر وعطوف في الوقت ذاته، وأحداث بها الکثير من المرح، يجعل القارئ لا يصدم بقدر ما يفکر ويتعاطف مع شخوصها، وبما يجعله في النهاية ينظر حوله إلى عالم لن يکون جيدًا بالکبار فقط، ولا بالصغار فقط، بل بهما معًا، وبحيوانتهما أيضًا، والأهم من ذلک بمشاعر وأفکار وقيم أفضل، تنبني على المحبة وتنظر إلى مستقبل مشرق بانتظار الجميع.